(5) بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة يتبوأ القرآن العظيم مقعد صدقٍ في الضمائر المؤمنة الحية، تستلهم هدايته، وتستطلع إفاضته، وتستوحي إشارته. والقرآن نص إلهي تفرد بجمال الأسلوب، ودقة العبارة، وعمق العطاء، وهو كتاب الله الذي نصبه مناراً للإعجاز في شتى عوالمه التشريعية والبلاغية والأسلوبية والتاريخية وسواها، فليس هناك غرابة أن يجتمع فيه تأصيل الغرض الديني باعتباره كتاب العربية الأكبر. انطوت أربعة عشر قرناً أو تزيد على ميلاد هذا الكتاب المجيد، وما زال جديداً في عطائه، وجديداً في أفكاره، وجديداً في ملامحه البيانية الفذّة، تحدى الله به الأمم والشعوب والقبائل فوجموا أمام بلاغته العربية، ونازل به عالم العلماء والعباقرة فآنحنت الرؤوس، وشخصت الأبصار، وعنت العقول، وطاول به النصوص الأدبية والتشريعية فآنهزمت بين يديه، كل هذا وفوق هذا مما إمتاز به القرآن الكريم، فلا غرابة إن حديث المشاعر الإنسانية على مدارسته، ونصب الفكر البشري في إستكناهه، فما زال الزمان والتقدم الحضاري معاً يوليان هذا المنبع الثّر أهمية خاصة، فهو الرافد الذي واكب حياة الأجيال، وهو الشعاع الذي رافق مسيرة الحضارة. وقد قدرّ لي أن أرافق طبقة مختارة في الجامعات والمجامع العلمية، والجماهير المثقفة، وأرى الجميع يتطلعون إلى شذرات من معارف القرآن، بل ويسألون بألحاف وإلحاح عن طائفة كبيرة من خصائصه وتعليماته، ويتشوفون شوقاً إلى الإجابة المعاصرة بعيداً عن الأفق التقليدي المتزمت،