(19) بالحفاظ على هذا الكتاب تأريخياً، وهذا التأريخ المشترك يمثل مظهراً اجتماعياً مركزياً متلازماً، فالتقصير في جانب يطبع أثره على الجانب الآخر، وقد مرت اللغة العربية بظروف وبيئات مختلفة، خضعت معها إلى عوامل اللهجات المتباينة، وأمتزجت بها ثقافة اللغة الأخرى، وتطور من مفرداتها ما تطور، وبقي ما بقي، وهذه عوامل كان من الممكن أن تخضع اللغة معها إلى كثير من التبدل والتغيير، وأن تتعرض مفرداتها للنسخ أو التجوز، ومع هذا فقد بقيت هذه اللغة سليمة لم تتأثر بعوامل الأنحطاط والضعف، ولم تتلكأ مسيرتها التأريخية بوهن أو خور، وسبب هذا البقاء والسيرورة يرجع إلى بيان القرآن، والدفاع عن القرآن، وصيانة لغة القرآن، ففي الوقت الذي تتجاوز فيه هذه اللغة موطنها الأصلي، ويمتد سلطانها إلى أرجاء فسيحة من العالم فإنها تبقى متميزة بمناخ الصحراء لهجة، وبطابع البداوة مصدراً، لأنها اللغة الرسمية للقرآن، وهو لا يتهاون في قدسية لغته، ولا يجد عنها منصرفاً، فارتبط وجودها بوجوده، وإستمرار رقيّها بإستمراره، ولم يداهمها الفناء أو الاضمحلال أو التقلب، في حين تنطوي به الأمم ولغاتها، وتتلاشى الشعوب وتراثها، بينما تطوي العربية أمدها الطويل سليمة متناسقة تتسنم مدارج الخلود، وتناطح هجمات الدهر، ولما كان القرآن الكريم معجزة محمد صلى الله عليه وآله وسلم الخالدة، وهو مرقوم بهذه اللغة الشريفة، فالخلود ملازم لهما رغم عادية الزمن، وهذا أمر يدعو إلى الاطمئنان على سلامة اللغة، وأصالة منبتها، وهنا يتجلى أثر تيسير القرآن وفهمه بيانياً بالكشف عن الأسرار، فهو يشد إليه الباحث شداً، دون عسر أو عناء، وبكل يسر وسماح. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.