( 49 ) للسلطة، ومصدراً لكلّ القرارات، ومنشأً للقوانين. ولا يكون وحده كذلك بل يكون أبناؤه وأحفاده حكّاماً وملوكاً بالتوارث، فإذن، هو نظام فرديّ وراثيّ استبداديّ. وقد كان هذا النمط من النظام ـ ولا يزال ـ ملازماً للاستعلاء والاستكبار ومنشأً للإرهاب والكبت، وهو ـ لا شكّ ـ أمر مرفوض في منطق القرآن الكريم إذ يقول: (تِلْكَ الدّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلّذينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُواً فِى اْلأرْضِ وَلاَ فَسادَاً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتّقِينَ )(القصص: 83). القرآن الكريم والملوكيّة إنّ القرآن الكريم يعتبر طبيعة الملوكيّة بحكم كونها ناشئةً من الفرد; طبيعيةً ميّالةً إلى الفساد والتفرعن، وحمل الإرادة الفرديّة على الشعوب بالقهر والإرغام وإذلال أبنائها وأعزّتها، إلى غير ذلك من المنكرات والمفاسد والتبعات التي عانت منها البشريّة، طوال قرون، إذ يقول: ( قَالَتْ إِنّ الملُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزّةَ أَهْلِها أَذِلّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ)(النمل: 34). هذه الكلمة التي نقلها اللّهسبحانه في هذه الآية عن بلقيس ملكة سبأ، تمثّل إحدى سنن التاريخ الحاكمة في الحياة البشريّة، ولولا أنّها كذلك; لردّ عليها اللّه سبحانه ولم يمر عليها بسلام كما هو شأنه في هذه الحالات. يقول السيد قطب ـ في ظلاله ـ حول تفسير هذه الآية: (... فهي تعرف أنّ من طبيعة الملوك أنّهم إذا دخلوا قرية أشاعوا فيها الفساد وأباحوا ذمارها، وانتهكوا حرماتها، وحطّموا القوّة المدافعة عنها، وعلى رأسها رؤساؤها، وجعلوهم أذلّةً لأنّهم عنصر المقاومة، وأنّ هذا هو دأبهم الذي يفعلون)(1). إنّ القرآن عندما يتعرّض لأحوال الملوك الذين حكموا الأرض; يذكر جشعهم ــــــــــــــــــــــــــــ 1- في ظلال القرآن 19:146.