( 39 ) أنّهم يجدون في ظلّها من كرامة العيش، وشرف الحياة مالا يجدون نظيره في ظّل الدول المتديّنة بدينهم، والمنتحلة لعقائدهم، والتاريخ الإسلاميّ المدوّن أفضل دليل على ذلك. ففي التاريخ الإسلاميّ نرى، كيف كان يرجّح النصارى واليهود الحياة في ظلّ الدولة الإسلاميّة ورعايتها على الحياة في ظلّ السلطات والدول التي كانوا يعيشون فيها، وكيف أنّهم كانوا يفتحون صدورهم للفتوحات الإسلاميّة، ويقبلون بسيادة المسلمين لأنّهم كانوا يجدون في كنفهم دفء الرحمة وحرارة الإيمان وبرد الإحسان. ولأجل ذلك; فإنّ أوّل خطوة خطاها رسول الإسلام صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم بعد استقراره في يثرب ـالمدينة ـ وبعد تشكيل أوّل حكومة إسلاميّة هو عقد وثيقة تعايش بين المسلمين وغيرهم وقّعها النبيّ الأكرم صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم والمسلمون وأهل المدينة من اليهود وغيرهم، تحدّد العلاقات الإنسانيّة، والحقوق المتقابلة بين المسلمين وغيرهم، وهي بذلك تعتبر قانوناً أساسياً للدولة الإسلاميّة، بل تمثّل وثيقةً عالميّةً خالدةً لحقوق الإنسان. وإليك مقتطفات مهمّة من هذه الوثيقة: "بسم اللّه الرّحمن الرّحيم. . هذا كتاب من محمّد النبيّ [رسول اللّه] بين المؤمنين والمسلمين من قريش و [أهل ]يثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم، إنّهم امّة واحدة من دون النّاس". ثمّ بعد أن ذكر النبيّ القبائل الإسلاميّة وما يقع عليها من مسؤوليّة حفظ الأمن ومساعدة الضعيف وإجراء العدل والقسط; ذكر اُموراً ترتبط بعامة المسلمين فكتبصلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم يقول: "وأن لايخالف مؤمن مولى مؤمن دونه [ أي لا ينقض عهداً عهده مع غيره ]وإنّ المؤمنين المتّقين أيديهم على كلّ من بغى منهم، أو ابتغى دسيعة ظلم، أو إثماً، أو عدواناً أو فساداً بين المؤمنين، وإنّ أيديهم عليه جميعاً ولو كان ولد أحدهم. . وإنّه من تبعنا من يهود فإنّ له النّصر والاسوة غير مظلومين ولا متناصرين عليهم. وإنّ يهود بني عوف امّة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم