( 15 ) أمّا السيرة فيكفي النظر إلى حياة الرسول الأكرم صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم وسيرته الشريفة للوقوف على هذه الحقيقة. المؤسّس الأوّل للحكومة الإسلاميّة: فمن تتبّع تلك السيرة الشريفة وجد كيف أنّ الرسول الأكرم صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم أقدم بمجرّد نزوله في المدينة المنوّرة على تأسيس الدولة بكلّ ما لهذه الكلمة من معنى، وكيف مارس كلّ ماهو من شأن الحاكم السياسي من تشكيل جيش منظّم، وعقد معاهدات ومواثيق مع الطوائف الاخرى، وتنظيم الشؤون الإقتصاديّة والعلاقات الإجتماعيّة ممّا يتطلّبه أيُّ مجتمع منظّم ذو طابع قانونيّ، وصفة رسميّة وصيغة سياسيّة، واتخاذ مركز للقضاء والإدارة ـ وهو المسجد ـ ووضع رواتب وتعيين مسؤوليات إداريّة، وتوجيه رسائل إلى الملوك والامراء في الجزيرة العربيّة وخارجها، وتسيير الجيوش والسرايا وبذلك يكون الرسول الأعظم صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم أوّل مؤسّس للدولة الإسلاميّة التي استمرّت من بعده، واتّسعت، وتطوّرت وتبلورت، واتّخذت صوراً أكثر تكاملاً في التشكيلات والمؤسّسات وإن كانت الاسس متكاملةً في زمن المؤسّس الأوّل صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم. إنّ من يراجع التاريخ النبويّ يلاحظ ـ بجلاء ـ أنّ النبيّ الأكرم صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم كان منذ بداية بعثته الشريفة وحياته الرساليّة بصدد تأسيس الحكومة، وإقامة الدولة. وقد تمّ ذلك في مرحلتين كانت المرحلة الاولى في مكة، والاخرى في المدينة. ففي مكة ـ يوم لم يكن مأموراً بالظهور والإعلان عن دعوته ـ قام بتأسيس الحزب السريّ ـ إن صحّ هذا التعبير ـ حيث أخذ في إعداد وبناء الأفراد الصالحين، وتوفير الكوادر المؤمنة عن طريق الاتّصالات الخاصّة واللقاءات السّريّة. ثمّ بعد أن امر باعلان رسالته لقوله سبحانه: ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَاَعْرِضْ عَنِالْمُشْرِكِينَ *إِنّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِيِنَ )(الحجر : 94 و 95)، راح الرسول الأكرميلتقي بقادة القبائل ورؤساء الوفود الآتية إلى مكّة يدعوهم الى دينه، والانضمام