( 644 ) تكون مخالفتهما في سائر الأُمور التي توجب انزعاجهما بكثرة حراماً أيضاً، نعم إطاعتهما وإن شئت قل: حرمة مخالفتهما محددة بما إذا لم يأمرا بالشرك، بل بما إذا لم يأمرا بما فيه معصية اللّه. لأنّ القرآن لمّا نهى عن طاعة أمر المسرفين في قوله: (وَلاَ تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ)(1)، وعن طاعة الآثم والمكذِّب والغافل في قوله: (وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً)(2)، وقوله سبحانه : (فَلاَ تُطِعِ الْمُكَّذِبِينَ)(3)، وقوله سبحانه : (وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ)(4) ، وجب علينا أن لا نطيع أمر من يأمر بمخالفة اللّه ومعصيته، فإنّ ذلك يشبه أمر من أغفل اللّه قلبه أو صار من المكذبين والمسرفين، سواء في ذلك الوالدان وغيرهما، وبذلك تكون دائرة الإطاعة أضيق مما سبق فتتحدد الإطاعة عندئذ بما لم تكن دعوتهما دعوة إلى معصية اللّه ومخالفته ـ على الإطلاق ـ . لقد دعا القرآن الكريم المجتمع البشري إلى تكريم مقام الوالدين واحترامهما، وإطاعتهما، ولكنّه ذكّر ـ في نفس الوقت ـ بنقطة مهمة وجديرة بالاهتمام وهي: أنّ محبة الأبناء لآبائهم وأُمّهاتهم يجب أن لا تكون محبة عمياء، ولا أن تكون طاعتهم لهم طاعة غير محسوبة تسبب في الخروج عن حدود العدالة. فإنّ على الأبناء أن لا يكتموا الشهادة الحقّة حتى لو كانت ضد آبائهم وأُمهاتهم لو كانوا ظالمين حقاً. ــــــــــــــــــــــــــــ 1 . الشعراء: 151. 2 . الإنسان: 24. 3 . القلم: 7. 4 . الكهف: 28.