( 641 ) وهذا كما لو أمر بتجييش الجيش، والنفر إلى الجهاد، ومكافحة الظالمين إلى غير ذلك ممّا يتقوّم به إصلاح المجتمع، ولأجل ذلك عد اللّه سبحانه مخالفة النبي معصية ربما توجب الخروج عن الدين. وما ورد من الآيات الدالة على لزوم طاعة النبي ناظرة إلى هذا القسم من الأوامر الناشئة من هذا المقام، إنّ مقام النبي في هذه الصورة هو مقام القائد الذي يأمر من يكون تحت قيادته وإمرته أو ينهاه، وليس مقام الإبلاغ المحض الذي ليس له شأن سوى إبلاغ أحكامه سبحانه . قد تقتضي المصالح الإسلامية ـ مثلاً ـ أن يدفع المسلمون ـ عدا الحقوق المالية الواجبة عليهم ـ مبالغ إضافية في سبيل المصالح الإسلامية، أو قد يطّلع النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ على ظلم رجل لزوجته، ويرى في استمرار العلاقة الزوجية بينهما حرجاً لا يطاق وعسراً لا يتحمّل، وفي مثل هذه الصور يأمر النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ بدفع الضرائب الخاصة للدولة الإسلامية وإطلاق سراح الزوجة حسماً لمادة الفساد، ويجب على المؤمنين إطاعته، وإلى ذلك يشير قوله سبحانه : (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِن وَلاَ مُؤْمِنَة إِذَا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِيناً).(1) ففي هذه الآية التي تتحدّث عن معصية اللّه والرسول ليس المقصود هو معصية الرسول بما هو مبلغ لرسالات اللّه وأحكامه، إذ ليس في هذه الحالة للرسول الأعظم أي أمر ونهي حتى تعد مخالفته مخالفة للرسول، بل هو في هذه الحالة ليس إلاّ مبلغاً ومنبّئاً ورسولاً بين اللّه وعباده. إنّ معصية الرسول إنّما تتحقّق إذا كانت الأوامر صادرة عن موقع القيادة ــــــــــــــــــــــــــــ 1 . الأحزاب: 36.