( 607 ) وأمّا الآية الثانية، فهي تهدف إلى أنّ يعقوب لا يملك لأبنائه أمراً ولا يضمن لهم في صفحة الوجود شيئاً، فأُمور الكون كلّها بيده، ولابد من التوكّل عليه رغم معرفة أسباب الظفر بالمطلوب، ولأجل ذلك بعد ما عرفهم أسباب الظفر بقوله: (وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُوا مِنْ بَاب وَاحِد وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَاب مُتَفَرِّقَة) عاد يذكّرهم بأنّه لا يضمن ـ مع ذلك ـ لهم شيئاً بقوله: (وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ شَيْء إن الحُكْمُ إِلاَّ للّهِ) . وأوضح دليل على كون المراد من الحكم هو الحكم التكويني أمره بإيكال الأُمور إليه في مجاري الحياة بقوله: (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) . وعلى الجملة فالآية الأُولى من الآيتين صريحة في اختصاص التشريع باللّه سبحانه ، لا يتردد في مضمونها من له إلمام بمعارف القرآن. ويقرب من هذه الآية قوله سبحانه : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ الْسَّمواتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّام ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ والنُّجُومَ مُسَخَّرَات بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ).(1) فإنّ المفسرين فسّروا الأمر هنا بالأمر التشريعي، قال الطبرسي: إنّما فصل بين الخلق والأمر، لأنّ فائدتهما مختلفة لأنّه يريد بالخلق أنّ له الاختراع، وبالأمر أنّ له أن يأمر في خلقه بما أحبّ ويفعل بهم بما شاء(2) ــــــــــــــــــــــــــــ 1 . الأعراف: 54. 2 . مجمع البيان: 4/428 وهذه الآيات كما دلت على حصر التشريع باللّه سبحانه كذلك تدلّ على حصر الحاكمية باللّه سبحانه وسيوافيك بيان دلالة الآية على حصر الحاكمية باللّه سبحانه ولفظ "الحكم" والأمر في الآيتين أعم من التشريع والحاكمية.