( 382 ) الاَكبر الشيخ الطوسي موَلف "التبيان"(المتوفّى460هـ) إلى أن صار هذا المنهج هو المنهج المتّبع الشائع في جميع الاَعصار إلى عصرنا هذا، وقلّت العناية بالمنهج الروائي المحض إلاّفي بعض الاَعصار (القرنين الحادي عشر والثاني عشر)، كما سيوافيك تفصيله، وبذلك حصل التطوّر الواضح في تفسير القرآن الكريم، ولعلّ العناية بالاَثر وصيانة تلك الكنوز عن الاندراس حملت المفسّرين في تلك الاَعصار على تفسير القرآن بنمط واحد ولون فارد، وهو التفسير بالاَثر من غير فرق بين السنّة والشيعة حتى أنّ أبا جعفر الطبري (المتوفّى310هـ)، وضع تفسيره على ذلك المنهج، وقلّما يتّفق أن يستكشف أسرار الآيات ويبسط الكلام فيها. غير أنّ احتكاك الثقافات والضرورات الاجتماعية فرضت على المفسّرين المنهج العلمي من التفسير حتى يكون ملبّياً لحاجاتهم، فانّ القرآن بحر لا ينزف. فأدخلوا في التفسير قراءة القرآن، وإعرابه، وغوامضه، ومشكلاته، ومعانيه، وجهاته، ونزوله، وأخباره، وقصصه، وآثاره، وحدوده،وأحكامه، وحلاله وحرامه، والكلام على مطاعن المبطلين، والاستدلال على ما يتفرّد به المفسّـر في المذهب الفقهي أو الاعتقادي، وقد ألّف في أواسط القرن الرابع علي بن عيسى الرماني تفسيره المعروف، وهو بمنهجه العلمي تفوّق على التفاسير المتقدّمة عليه وها نحن نذكر أسماء أعلام المفسّرين بالاَثر المروي عن النبيّ والآل، ثمّ نبتعهم بسرد أسماء مشاهير المفسّرين بالتفسير العلمي، فالمنهج الاَوّل يمتد إلى نهاية القرن الرابع، كما أنّالمنهج الثاني يبتدىَ بطلوع القرن الخامس حسبما وصل إلينا من كتبهم، وبما أنّ أكثر ما أُلّف في العصور الاَُولى غير واصلة إلينا، لا يمكن لاَحد القضاء الباتّ في الموضوع، وأنّ جميع ما في تلك القرون تفاسير روائيّة، وإنّما نعتمد في ذلك على الحدس وما ذكره الشيخ في أوّل التبيان، واللّه العالم.