( 555 ) أسرار يجب أن تبقى مصانة ومحفوظة لا يدري بها العدو، ولهذا كان يتعيّن على النبيّ أن يلاحظ عملاء العدو في الداخل لكي لايسرّبوا أيّ خبر من داخل البلاد إلى العدو ولا يخبروه بخبر يفوّت على النبيّ مقاصده. ومن هنا اتّخذ النبيّ الاجراءات الفوريّة عندما بلغه أنّ هناك من أفشى خبر سفره وتوجّهه إلى مكّة لفتحها، فلمّا أجمع الرسول صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم المسير إلى مكّة كتب حاطب بن أبي بلتعة كتابا إلى قريش بخبرهم بعزم الرسول، ثمّ أعطى الكتاب إلى امرأة فجعلته في شعر رأسها، فأتى الخبر إلى رسول اللّه من السماء فبعث عليّ بن أبي طالب والزبير بن العوّام فخرجا حتّى أدركاها في موضع بين مكّة والمدينة فأنزلاها من رحلها، وفتّشا الرحل فلم يجدا شيئاً فقال لها عليّ بن أبي طالب: "إنّي أحلفُ باللّه ما كذب رسولُ اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم ولا كُذّبنا ولتُخرجنّ هذا الكتاب أو لنكشفنّك". فلمّا رأت الجدّ منه، قالت: أعرض، فأعرض، فحلت قرون رأسها فاستخرجت الكتاب منها فدفعته إليه. فأتى به إلى رسول اللّه وعاتب النبيّ حاطب بشدّة (1). وفي ذلك نزلت الآيات الاُول من سورة الممتحنة ابتداءمن قوله: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالمَوَدَّةِ... الخ)(الممتحنة: 1). وهكذا كان النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم يحبط الأعمال التجسّسيّة التي كان يقوم بها العدوّ في عمق بلاده. وقد ذهب بعض علماء الإسلام إلى ضرورة وجود جهاز يكشف مؤامرات العدو في الداخل. يقول القاضي أبو يوسف في كتاب الخراج: (وينبغي للإمام أن تكون له مسالح (مخافر حدوديّة) على المواضع التي تنفذ إلى بلاد أهل الشرك من الطرق فيفتّشون من مرّ بهم من التجّار فمن كان معه سلاح أخذ منه ورد، ومن كان معه كتب قرئت كتبه فما كان من خبر من أخبار المسلمين قد كتب به ــــــــــــــــــــــــــــ 1- سيرة ابن هشام 2:399.