[ 558 ] يسلم على الله بمثل معصيته"(1). نعم، فعمليّة بناء قصر عظيم قد تستغرق سنوات عديدة، ولكن عملية تدميره قد لا تستغرق سوى لحظات بتفجير قنبلة قويّة. وهنا وجب إخراج هذا الموجود الخبيث من صفوف الملأ الأعلى وملائكة العالم العلوي، فخاطبه الباريء عزّوجلّ بالقول: (قال فاخرج منها فإنّك رجيم). الضمير (منها) في عبارة (فاخرج منها) إمّا أنّه إشارة إلى صفوف الملائكة، أو إلى العوالم العلوية، أو إلى الجنّة، أو إلى رحمة الله. نعم، فيجب إخراج هذا الخبيث من هنا، فهذا المكان مكان الطاهرين والمقرّبين، وليس بمكان المذنبين والعاصين ذوي القلوب المظلمة. "رجيم" من (رجم)، وبما أنّ لازمها الطرد، فقد وردت بهذا المعنى هنا. ثمّ أضاف الباريء عزّوجلّ: (وإنّ عليك لعنتي إلى يوم الدين) فأنت خارج ومطرود من رحمتي إلى الأبد. المهمّ انّ الإنسان عندما يرى النتائج الوخيمة لأعماله السيّئة عليه أن يستيقظ من غفلته، وأن يفكّر في كيفية إصلاح ذلك الخطأ، ولا شيء أخطر من بقاءه راكباً لموج الغرور واللجاجة وإستمراره في السير نحو حافّة الهاوية، لأنّه في كلّ لحظة يبتعد أكثر عن الصراط المستقيم، وهذا هو نفس المصير المشؤوم الذي وصل إليه إبليس. وهنا تحوّ (الحسد) إلى (عداء)، العداء الشديد والمتأصّل، كما قال القرآن: (قال ربّ فانظرني إلى يوم يبعثون). هذه الآية تبيّن أنّ الشيطان طلب من الله سبحانه وتعالى أن يمهله، فهل طلب أن يمهله ليسكب عبرات الحسرة والندامة على ما فعله من قبل، أم أنّه طلب مهلة لإصلاح عصيانه القبيح؟ ــــــــــــــــــــــــــــ 1 ـ نهج البلاغة، الخطبة 192 (الخطبة القاصعة).