[489] والتعبير بـ "علاّم الغيوب" يؤيّد هذا المعنى. الآخر: إنّ المقصود من "قذف الحقّ على الباطل وزهوق الباطل"، يعني أنّ للحقّ قوّة تجعله قادراً على تجاوز أي عائق في طريقه، وليس لأحد طاقة على الوقوف بوجهه، وبهذا تكون الآية تهديداً للمخالفين لكي لا يقفوا بوجه القرآن، وأن يعلموا أنّ حقّانية القرآن ستسحقهم. وبذا تكون الآية تعبيراً مشابهاً لما ورد في الآية (18) من سورة الأنبياء (بل نقذف بالحقّ على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق). ويحتمل أن يكون المقصود بتعبير "القذف" هنا هو نفوذ حقّانية القرآن إلى نقاط العالم القريبة والبعيدة، وهي إشارة إلى أنّ هذا الوحي السماوي سيضيء جميع العالم بنوره في نهاية الأمر. بعدئذ ولزيادة التأكيد يضيف سبحانه وتعالى: (قل جاء الحقّ وما يبدىء الباطل وما يعيد)(1). وعليه فلن يكون للباطل أي دور مقابل الحقّ، لا خطّة اُولى جديدة، ولا خطّة معادة، إذ أنّ خطط الباطل نقش على الماء، ولهذا السبب فلم يتمكّن الباطل من طمس نور الحقّ ومحو أثره من القلوب. مع أنّ بعض المفسّرين أرادوا حصر مصاديق "الحقّ" و "الباطل" في هذه الآية في حدود معيّنة، لكن الواضح أنّ مفهوم الإثنين واسع وشامل جدّاً، القرآن، الوحي الإلهيى، تعليمات الإسلام، جميعها مصاديق لمفهوم "الحقّ". والشرك والكفر، والضلال، والظلم والذنوب، ووساوس الشيطان، والبدع الطاغوتية كلّها تندرج تحت معنى "الباطل"، وفي الحقيقة فإنّ هذه الآية شبيهة بالآية (81) من سورة الإسراء، (وقل جاء الحقّ وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقاً). وقد ورد أنّ ابن مسعود قال: دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) مكّة وحول البيت ثلاثمائة ــــــــــــــــــــــــــــ 1 ـ (يبدىء) من مادّة "بدء" بمعنى الإيجاد الإبتدائي، و (يعيد): من مادّة (عود) بمعنى التكرار، الباطل: فاعل، والمفعول محذوف، والتقدير "ما يبدىء الباطل شيئاً وما يعيد شيئاً".