[488] تفسير روح البيان، ورد أنّه عند نزول الآية (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لمشركي مكّة: "لا تؤذوا ذوي قرباي" وهم قبلوا بهذا الطلب، ولكن عندما نال الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) من أصنامهم، قالوا: إنّ محمّداً لم ينصفنا، فهو من جانب يدعونا لعدم التعرّض لذوي قرباه بالأذى، ولكنّه من جانب آخر يمسّ أربابنا بالأذى، وهنا نزلت الآية موضوع بحثنا (قل ما سألتكم من أجر فهو لكم). فما أردته منكم بهذا الخصوص هو بنفعكم، سواء آذيتموهم أو لم تؤذوهم. ثمّ تختم الآية بالقول: (وهو على كلّ شيء شهيد). فإن كنت اُريد أجري من الله وحده فلأنّه وحده عالم بكلّ أعمالي ومطّلع على نواياي. علاوةً على أنّه هو سبحانه وتعالى شاهد صدقي وحقّانية دعوتي، لأنّه هو سبحانه سخّر لي كلّ هذه المعجزات والآيات البيّنات، والحقّ أنّه سبحانه وتعالى نعم الشاهد، فهو الذي قد أحاط بكلّ شيء علماً وهو أفضل من يستطيع الأداء، ولا يصدر عنه إلاّ الحقّ وهو خير الشاهدين. وهو الله سبحانه وتعالى. بالإلتفات إلى ما قيل حول حقّانية دعوة الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، تضيف الآية التي بعدها قائلة أنّ القرآن واقع غير قابل للإنكار لأنّه ملقى من الله سبحانه وتعالى على قلب الرّسول (صلى الله عليه وآله): (قل إنّ ربّي يقذف بالحقّ علاّم الغيوب). كلمة "يقذف" من مادّة (قذف) وهو الرمي البعيد، وثمّة تفسيرات متعدّدة لهذه الآية، يمكن جمعها مع بعضها البعض. أوّلا: المقصود بـ "يقذف بالحقّ" هو الكتب السماوية والوحي الإلهي على قلوب الأنبياء والمرسلين، ولأنّه سبحانه وتعالى هو علاّم الغيوب، فهو يعلم بالقلوب المهيّأة، فينتخبها ويقذف الوحي فيها حتّى ينفذ إلى أعماقها. وعلى ذلك فالمعنى شبيه بما ورد في الحديث المعروف "العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء".