[11] إنّ وصف "الكتاب" بـ "الحكيم" إمّا لقوّة ومتانة محتواه، لأنّ الباطل لا يجد إليه طريقاً وسبيلا، ويطرد عن نفسه كلّ نوع من الخرافات والأساطير، ولا يقول إلاّ الحقّ، ولا يدعو إلاّ إليه، وهذا التعبير في مقابل (لهو الحديث) الذي يأتي في الآيات التالية تماماً. أو بمعنى أنّ القرآن كالعالم الحكيم الذي يتكلّم بألف لسان في الوقت الذي هو صامت لا ينطق، فيعلّم، ويعظ وينصح، ويرغّب ويرهّب، ويحذّر ويتوعّد، ويبيّن القصص ذات العبرة، وخلاصة القول فإنّه حكيم بكلّ معنى الكلمة. ولهذه البداية علاقة مباشرة بكلام لقمان الحكيم الذي ورد البحث فيه في هذه السورة. ولا مانع ـ طبعاً ـ من أن يكون المعنيان مرادين في الآية أعلاه. ثمّ تذكر الآية التالية الهدف النهائي من نزول القرآن، فتقول: (هدىً ورحمةً للمحسنين). إنّ الهداية في الحقيقة مقدّمة لرحمة الله، لأنّ الإنسان يجد الحقيقة أوّلا في ظلّ نور القرآن، ويعتقد بها ويعمل بها، وبعد ذلك يكون مشمولا برحمة الله الواسعة ونعمه التي لا حدّ لها. وممّا يستحقّ الإنتباه أنّ هذه السورة إعتبرت القرآن سبباً لهداية ورحمة "المحسنين"، وفي بداية سورة النمل: (هدىً وبشرى للمؤمنين) وفي بداية سورة البقرة: (هدىً للمتّقين). وهذا الإختلاف في التعبير ربّما كان بسبب أنّ روح التسليم وقبول الحقائق لا تحيا في الإنسان بدون التقوى، وعند ذلك سوف لا تتحقّق الهداية، وبعد مرحلة قبول الحقّ نصل إلى مرحلة الإيمان التي تتضمّن البشارة بالنعم الإلهية علاوة على الهداية، وإذا تقدّمنا أكثر فسنصل إلى مرحلة العمل الصالح، وعندها تتجلّى رحمة الله أكثر من ذي قبل. بناءً على هذا فإنّ الآيات الثلاث أعلاه تبيّن ثلاث مراحل متعاقبة من مراحل