[475] يُتصور انحرافه عن هذا الأصل... إلاّ أنّ أهمية هذه المسألة كانت بحيث أن يكون شخص النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ـ قبل كل شيء ـ مخاطباً بها. ليعرف الآخرون موقفهم... ثمّ إن بناء الآخرين يبدأ من بناء شخصية الإنسان نفسهِ... ثمّ يأمره الله في مرحلة اُخرى أن ينطلق إلى مدى أرحب في دعوته قائلا: (وأنذر عشيرتك الأقربين).(1) ولا شكَّ أنّه للوصول إلى منهج تغييري ثوري واسع، لابدّ من الإبتداء من الحلقات الأدنى والأصغر، فما أحسن أن يبدأ النّبي دعوته من أقربائه وأرحامه، لأنّهم يعرفون سوابقه النزيهة أكثر من سواهم كما أن علائق القربى والمودّة تستدعي الاصغاء إلى كلامه أكثر من غيرهم، وأن يكونوا أبعد من سواهم من حيثُ الحسدُ والحقدُ والمخاصمة! إضافة إلى ذلك فإنّ هذا الأمر يدلّ على أن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ليس لديه أية مداهنة ولا مساومة مع أحد، ليستثني أقرباءه المشركين عن دعوته إلى التوحيد والحق والعدل!... وعندما نزلت هذه الآية، قام النّبي بما ينبغي عليه من أجل تنفيذ هذا الأمر الإلهي، وسيأتي تفصيل ذلك كله في حقل البحوث بإذن الله... أمّا المرحلة الثّالثة، فإنّ الله يوصي النّبي في دائرة أوسع فيقول: عليك أن تعامل اتباعك باللطف والمحبة: (واخفض جناحك لمن اتّبعك من المؤمنين). وهذا التعبير الجميل الرائع كناية عن التواضع المشفوع بالمحبة واللطف، كما أن الطيور تخفض أجنحتها لأفراخها محبّة منها لها، وتجعلها تحت أجنحتها لتكون مصانةً من الحوادث المحتملة، ولتحفظها من التشتت والتفرّق! فكذلك الأمر بالنسبة للنّبي إذ أُمرَ أن يخفض جناحه للمؤمنين الصادقين. ــــــــــــــــــــــــــــ 1 ـ العشيرة مشتقّة من "العشرة" العدد المعروف [10] وحيث أن العشرة تعتبر في نفسها عدداً كاملا، فقد سمي أقرباء الرجل الذين يكمل بهم عشيرة، ولعل المعاشرة مأخوذة من هذا المعنى، لأنّها تجعل الناس بصورة مجموعة كاملة.