[48] الواقع ـ إِلى أنَّ الشيطان يعتبر نموذجاً كاملا للإِستكبار والكفر والعصيان. ثمّ انظروا إِلى أين وَصلت عاقبته، لذا فإِنَّ مَن يتبعهُ سيصير إِلى نفس العاقبة. إضافة إِلى ذلك، فإنَّ إصرار الضالين عميان القلوب على مخالفة الحق، لا يعتبر مدعاةً للعجب والدهشة، لأنَّ الشيطان استطاع ـ وفقاً لما يُستفاد مِن هَذِهِ الآيات ـ أن يغويهم بواسطة عدَّة طرق، وَفي الواقع حقق فيهم قولته (لأغوينهم أجمعين إِلاَّ عبادك مِنهم المخلصين). الآية تقول: (وإذ قُلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إِلاَّ إِبليس). لقد قُلنا سابقاً في نهاية الآيات الخاصّة بخلق آدم(عليه السلام): إِنَّ هَذِهِ السجدة التي أمر الله تعالى بها هي في الحقيقة نوع مِن الخضوع والتواضع بسبب عظمة خلق آدم(عليه السلام) وَتميزه عن سائر الموجودات، أو هي سجود للخالق جلّ وعلا في قبال خلقه لهَذا المخلوق المتميز. وقلنا هُناك أيضاً: إِنَّ إِبليس وَبرغم ذكره هُنا ـ استثناءاًـ مَع الملائكة، إِلاَّ أنَّهُ ـ بشهادة القرآن ـ لم يكن مِن الملائكة، بل كانَ مخلوقاً مادياً ومِن الجن، وَقد أصبحَ في صف الملائكة بسبب عبادته لله. على كل حال، فقد سيطر الكبر والغرور على إِبليس وتحكّمت الأنانية في عقله، ظناً مِنهُ بأنَّ التراب والطين اللذان يعتبران مصدراً لكل الخيرات وَمنبعاً للحياة أقل شأناً وأهمية عن النّار، لذا اعترض على الخالق جلَّ وَعلا وَقال: (قالَ ءَأَسْجد لمن خلقت طيناً). وَلكنَّهُ عِندما طُرِدَ ـ إِلى الأبد ـ مِن حضرة الساحة الإِلهية بسبب استكباره وَطغيانه في مقابل أمر الله له، قال: (قالَ أرأيتك هذا الذي كرّمت علي لئن اخرتن إِلى يومِ القيامة لأحتنكنَّ ذرّيته إِلاَّ قليلا).(1) ــــــــــــــــــــــــــــ 1 ـ ذهب المفسّرين إلى إِنَّ حرف الكاف في كلمة (أرأيتك) زائد، أو هو حرف للخطاب وَقد جاء للتأكيد، وَجملة (أرأيتك) بمعنى (أخبرني) جوابها محذوف وَتقديرها (أخبرني عن هَذا الذي كرمته عليّ، لم كرمته عليّ وَقد خلقتني مِن نار؟). وَلكن هُناك احتمال آخر، وَهو أنَّ (أرأيت) هي في نفس معناها الأصلي وَلا يوجد محذوف في الجملة، وَبشكل عام تعطي هذا المعنى: هل لاحظت هذا الموجود الذي فضلته عليّ، فإذا أبقيتني على قيد الحياة سترى بأنّي سأضل أكثر أبنائه. (إحتمال الثّاني أوفق في تركيب الآية وَمعناها).