[22] أضيافه على كل حال، وهتك حرمتهم هتك لحرمة لوط. أو لأنّهم أرادوا أن يفهموا لوطاً بأنّهم رسل الله، وأنّ عدم وصول قومه إِليهم بالإِساءة أمر مسلّم به، بل حتى لوط نفسه الذي هو رجل من جنس أُولئك لن يصلوا إِليه بسوء، وذلك بلطف الله وفضله. نقرأ في الآية (37) من سورة القمر(ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم)وهذه الآية تدل على أن هؤلاء الجماعة الذين أرادوا السوء بأضياف لوط، فقدوا بصرهم بإذن الله، فلم يستطيعوا الهجوم عليهم. ونقرأ في بعض الرّوايات ـ أيضاً ـ أنّ أحد الملائكة غشّى وجوههم بحفنة من التراب فعموا جميعاً. وعلى كل حال، فاطلاع لوط(عليه السلام) على حال أضيافه ومأموريتهم نزل كالماء البارد على قلبه المحترق وأحسّ بلحظة واحدة أن ثقلا كبيراً من الغمّ والحيرة قد أُزيل عن قلبه، وأشرقت عيناه بالسرور والبهجة، وعلم أنّ مرحلة الغم والحيرة اشرفت على الإِنتهاء، ودنا زمن السرور والنجاة من مخالب هؤلاء القوم المنحرفين المتوحشين. ثمّ أمر الأضيافُ لوطاً ـ مباشرة ـ أن يرحل هو وأهله من هذه البلدة وقالوا: (فأسر بأهلك بقطع من الليل)(1). ولكن كونوا على حذر (ولا يلتفت منكم أحد) إِلى الوراء (إِلاّ امرأتك فإنّه مصيبها ما أصابهم) لتخلّفها عن أمر الله وعصيانهم مع العُصَاة الظَلَمَة. وفي قوله تعالى: (لا يلتفت منكم أحد) عند المفسّرين احتمالات عديدة. الأوّل: لا ينظر أحد إِلى ورائه مديراً وجهه إِلى الخلف. الثّاني: لا تفكروا بما تركتم خلفكم من الأموال ووسائل المعاش، إِنّما عليكم ــــــــــــــــــــــــــــ 1 ـ "أسر" مشتق من "الإِسراء" وهو المسير ليلا، وذكر الليل في الآية من باب توكيد الموضوع، والقطع معناه ظلمة الليل، إشارة إِلى أن يتحرك والناس نيام أو مشغولون عنه بالشراب وحلك الليل ليخرج وهم في غفلة عنه.