[16] الأيّام شديدة الحر أنّها عصيبة أيضاً. وعلى كل حال، فإنّ لوطاً لم يجد بدأ من أن يأتي بضيوفه إِلى البيت ويقوم بواجب الضيافة ولكنّه حدّثهم في الطريق ـ عدة مرّات ـ أنّ أهل هذه المدينة منحرفون وأشرار ليكونوا على حذر منهم. ونقرأ في إحدى الرّوايات أنّ الله سبحانه أمر ملائكته أن لا يعذبوا قوم لوط حتى يعترف لوط عليهم ثلاث مرّات، ومعنى ذلك أنّه حتى في تنفيذ حكم الله بالنسبة لقوم ظالمين لابدّ من تحقق موازين عادلة في المحاكمة، وقد سمع رسل الله شهادة لوط في قومه ثلاث مرّات أثناء الطريق(1). وورد في بعض الرّوايات أنّ لوطاً أخّر ضيوفه كثيراً حتى حلول الليل، فلعله يستطيع أن يحفظ ماء وجهه من شرور قومه، ويقوم بواجب الضيافة دون أن يُساء إِلى أضيافه. ولكن ما عسى أن يفعل الإِنسان إِذا كان عدوه داخل بيته، وكانت امرأة لوط امرأة كافرة وتساعد قومه الظالمين، وقد اطلعت على ورود هؤلاء الأضياف إِلى بيتها، فصعدت إِلى أعلى السطح وصفقت بيديها أوّلا، ثمّ بإشعال النّار وتصاعد الدخان أعلمت جماعة من هؤلاء القوم بأنّ طعمة دسمة قد وقعت في "الشِباك"(2). يقول القرآن الكريم في هذا الصدد (وجاءه قومه يُهرعون إِليه)(3) وكانت حياة هؤلاء القوم مسودّة وملطخة بالعار (ومن قبلُ كانوا يعملون السيئات)فكان من حق لوط أن يضيق ذرعاً يصرخ ممّا يرى من شدّة استيائه و(قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم) فأنا مستعد أن أزوجهن إِيّاكم (فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد) يصدكم عن هذه الأعمال المخزية ــــــــــــــــــــــــــــ 1 ـ مجمع البيان، في شرح الآية آنفة الذكر. 2 ـ الميزان، ج 10، ص 362. 3 ـ "يُهرعون" مشتقّة من الإِهراع ومعناها السياقة الشديدة، فكأنّما تسوق غريزة هؤلاء إِيّاهم بشدّة إِلى أضيافه.