[ 433 ] الصعبة وتتملكه حالة اليأس من الخلاص، أو تمنعه هذه الحالة من التحرّك والسعي نحو المقصود والهدف. إن الجزع يعد من اشنع الصفات الأخلاقية وأسوأ الحالات النفسية للإنسان حيث تفضي به إلى الشقاء في الدنيا والآخرة وتمنعه من تحصيل المقامات والمراتب العالية في معراج الكمال، وتؤدي كذلك إلى فقدان شخصيته وحيثيته في المجتمع وتكون حياته مليئة بالمنغصات والمؤلمات فلا يرى للراحة والسعادة وجهاً. وقد وصف القرآن الكريم الإنسان في سورة المعارج بأنه موجود حريص وقليل الصبر عندما يدهمه بلاءٌ وسوء، وعندما يحصل على شيء من النعمة والخير فإنه يتحرك فيه عنصر البخل ويمنعه من البذل والعطاء كما تقول الآية : (اِنَّ الاِْنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * اِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَاِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً)(1). والمراد من الإنسان في هذه الآية "كما وردت هذه الكلمة في آيات قرآنية اُخرى تصف الإنسان بصفات سلبية مشابهة" هو الإنسان الّذي لم يصل بعد إلى مستوى النضج الأخلاقي والعاطفي ولم يسلك في خطّ تهذيب النفس، ولذلك ورد في ذيل هذه الآيات استثناء الأشخاص الّذين يعيشون الإيمان ويسلكون في خطّ الصلاة ومساعدة المحرومين ومراعاة اُصول العفة والأمانة كما تقول الآيات (اِلاَّ الْمُصَلِّينَ..... والَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِم يُحَافِظُونَ)(2). إنّ تعبير الآيات أعلاه لعلّه إشارة إلى هذه الحقيقة وهي أنّ الأشخاص الّذين يعيشون الجزع وقلّة الصبر هم عادةً من البخلاء أيضاً، كما أنّ البخلاء يتسمون بالجزع أيضاً، وبعبارة اُخرى : أنّ هاتين الصفتين يرتبطان برابطة وثيقة ويجتمعان في دائرة مفهوم "هلوع". وقد ورد في الروايات الإسلامية أيضاً بحوث عميقة وجذابة تتضمن ملاحظات دقيقة في هذا المجال، وفيما يلي نشير إلى بعض النماذج منها : 1. سورة المعارج، الآية 19 ـ 21. 2. سورة المعارج، الآية 22 ـ 34.