[ 429 ] الوقوف أمام الأهواء والدوافع النفسية والنوازع الدنيوية الّتي تستعر في قلب الإنسان وباطنه، وقد تستعر نيرانها إلى درجة أن تتحول إلى اعصار يدمر جميع عناصر الخير في الإنسان، ويتلف ما لديه من الإيمان والتقوى والطهارة والصدق والصفاء وأمثال ذلك. والمقصود من الصبر على المصيبة هو أن يتحلّى الإنسان بالصبر في حياته مقابل الحوادث المؤلمة من قبيل فقد الأحبّة، الخسارة المالية الكبيرة، وقوع شخصيته وسمعته الاجتماعية في الخطر، وقوع الإنسان في مخالب المرض العسير والمؤلم، والابتلاء برفاق السوء أو الشريك الخائن أو الحكومة الظالمة وأحياناً الزوج والزوجة الفاسدة وأمثال ذلك. وقد أورد علماء الأخلاق هذا التقسيم للصبر اقتباساً من الروايات الشريفة كما ورد في الحديث الشريف النبوي أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : "الصَّبْرُ ثَلاثَةٌ، صَبْرٌ عَلَى الْمُصيبَةِ وَصَبْرٌ عَلَى الطَّاعَةِ وَصَبْرٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، فَمَنْ صَبَرَ عَلَى المُصيبَةِ حَتَّى يَرُدَّهَا بِحُسْنِ عَزائِهَا، كَتَبَ اللهُ لَهُ ثَلاثَ مِائة دَرَجَة مَا بَينَ الدَّرَجَةِ اِلَى الدَّرَجَةِ كَما بَينَ السَّمَاءِ اِلَى الاَرضِ، وَمَنْ صَبَرَ عَلَى الطَّاعَةِ كَتَبَ اللهُ لَهُ سِتَّ مائةِ دَرَجَة، مَا بَينَ الدَّرَجَةِ اِلَى الدَّرَجَةِ كَمَا بَينَ تُخُومُ الاَْرضِ اِلَى الْعَرْشِ وَمَنْ صَبَرَ عَلَى الْمَعْصيةِ كَتَبَ اللهُ لَهُ تِسْعَ مِائةِ دَرَجَة مَا بَينَ الدَّرَجَةِ اِلى الدَّرَجَةِ كَمَا بَينَ تُخُومِ الاَرْضِ اِلَى مُنْتَهَى الْعَرْشِ"(1). ويستفاد من عبارات هذا الحديث الشريف الصبر على المعصية أهمّ من الجميع، ثمّ الصبر على الطاعة، ثمّ الصبر على المصيبة الّذي يأتي في المرتبة الثالثة من حيث الأهمية والثواب. ويقول أميرالمؤمنين (عليه السلام) في حديث آخر بعد أن يقسم الإيمان إلى أربع "الصَّبْرُ مِنْهَا عَلَى اَرْبَعِ شُعَب، عَلَى الشَّوْقِ وَالشَّفَقِ وَالزُّهْدِ وَالتَّرَقُبِ"(2). ومع قليل من التأمل يتضح أنّ هدف الإمام (عليه السلام) من هذا البيان هو شرح دوافع الصبر والاستقامة لا فروعه وأغصانه، وهو مثل ما تقدّم من الحديث النبوي الشريف. 1. بحار الأنوار، ج 68، ص 77، في اُصول الكافي، ج 2، ص 91 بهذا المعنى. 2. نهج البلاغة، الكلمات القصار، ح 31.