[ 407 ] خط الإيمان والطاعة. هذا وقد سمع أيوب الكثير من التعريض به وبشخصيته، ولعلّ هذه المصيبة كانت عليه من أعظم المصائب، وأحياناً كان عُبّاد بني إسرائيل ورهبانهم يأتون لرؤيته ويقولون له بصراحة : ما هو الذنب العظيم الّذي ارتكبته حتّى ابتلاك الله بهذا الابتلاء والعذاب الشديد ؟ ولكن هذا النبي العظيم لم يفقد صبره بل كان يعيش الانضباط الأخلاقي أمام نوازعه النفسية ويلهج لسانه بشكر الله تعالى ويتعامل مع كلّ هذه المصائب من موقع الشكر لا من موقع كفران النعمة والشكوى والجزع، وبعد أن مضت عليه سنوات عديدة وهو يتحدى هذه الصعاب العظيمة دعا الله تعالى لأن يكشف عنه هذا البلاء كما تقول الآية : (وَاذْكُر عَبْدَنا اَيّوبَ اِذ نَادى رَبَّهُ اَنّي مَسَّنِيَ الشَّيطانُ بِنُصْب وَعَذاب). فعندما ختم هذا النبي العظيم جميع مراحل هذا الامتحان الإلهي الكبير ووقف أمام البلايا والمصائب المختلفة كجبل من الصبر والاستقامة وأخجل الشيطان الرجيم من أن ينال منه ولو كلمة جزع وشكوى واحدة حتّى يئس منه، عندها فتح الله تعالى أبواب رحمته عليه، وعاد عليه كلّ ما فقده من المال والأولاد والمواهب الدنيوية الاُخرى بل ضاعفها له أضعافاً مضاعفة، والأهم من ذلك انه نال من ذلك مقاماً عظيماً في دائرة القرب الإلهي ونال وسام "نِّعْمَ ا لْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ". وذكر المفسّر المعروف "ابن مسعود" : إن أيوب (عليه السلام) كان "رَأسُ الصَّابِرينَ اِلَى يَومِ القِيامَةِ"(1) وهكذا سجَّل أيوب لنفسه هذا الشرف والافتخار على طول التاريخ البشري. ولا ينبغي التساهل في المرور على هذا المطلب، وهو أنّ إنساناً كان يتمتع بجميع الامكانات المادية والدنيوية، وفجأةً فقد كلّ شيء وجلس صفر اليدين حتّى انه لم يسلم من تعريضات قومه من الأصدقاء والأعداء وكناياتهم الموجعة الّتي كانت تؤلمهُ أكثر من طعنات السيوف والخناجر ومع ذلك لم يصدر منه حتّى كلمة واحدة على خلاف رضى الله تعالى بل كان لسانه لهجاً بذكر الله وشكره، وفي نهاية أمره قال كلمة واحدة تعبر عن دعاءه 1. تفسير روح البيان، ج 8، ص 45 ذيل الآية.