[ 13 ] وهكذا يتجلّى في هذه القصة أنّ إبليس وبسبب حجاب الكِبر والغرور قد تعامل مع الواقع من موقع الجهل التامّ حيث خاطب الله تعالى من موقع الاعتراض والرفض للأمر الإلهي وقال: (قَالَ لَمْ اَكُنْ لاَِسْجُدَ لِبَشَر خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصال مِنْ حَمَأ مَسنُون)(1). في حين أنّ من الواضح أن شرف آدم لم يكن لأنّه مخلوق من الطين بل بسبب تلك النفخة الإلهية والروح الإلهي الّتي نفخها الله تعالى في آدم: (فَاِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ)(2)، وحتّى إبليس لم يكن ليدرك افضلية التراب على النار، التراب الّذي صار مصدر جميع البركات في واقع الخِلقة وظهور الحياة وأنواع المعادن والذخائر الطبيعية من الماء والنباتات وسائر المواد الاُخرى الّتي تتولد منها النار ولذلك قال بمنتهى الغرور (خَلَقْتَنِي مِنْ نَار وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِين)(3). مضافاً إلى أنّ الكثير من الأشخاص الّذين يقعون في الخطيئة والزيغ فإنّهم قد يعودون إلى مسارهم الفطري والسليم بعد أن يدركوا خطئهم ويتحركوا من موقع إصلاح الخلل والتوبة، ولكن حالة التكبّر والإستكبار هي من الاُمور الّتي لا تفسح المجال للإنسان المخطيء في سلوك طريق التوبة بعد الانتباه وإدراك الخطأ، ولهذا السبب فإنّ الشيطان عندما التفت إلى خطئه لم يتب منه، لأنّ الكبر والغرور لم يسوّغ له أن يتحرك من موقع التسليم والتعظيم لجوهر الخلقة (أي الإنسان) بل إنّه زاد من تكبره وعناده وأقسم على إضلال جميع الناس (إلاّ عَبادَ اللهِ المخلصين) وطلب من الله تعالى العمر المديد ليستمر في غيّه ونصب شراكه وفخاخه لبني آدم ليضلهم عن سبيل الله وعن سلوك طريق الحقّ. وبهذا فإنّ التكبّر والأنانية والعجب وأمثال ذلك تعدّ مصدراً من مصادر الحالات السلبية والصفات الذميمة الاُخرى من قبيل الحسد، الكفر، الإفساد، ارتكاب الفحشاء والمنكر. وبهذا يكون الشيطان كما قال أميرالمؤمنين(عليه السلام) في الخطبة القاصعة قد وضع أساس 1. سورة الحجر، الآية 33. 2. سورة الحجر، الآية 29. 3. سورة الأعراف، الآية 12.