[ 12 ] المعنوية والمادية حيث لا تخفى على أحد، وما قرأنا في الآيات أعلاه إنّما هو في الحقيقة ناظرٌ إلى هذا الموضوع. "الآية الاُولى والثانية" تتحدّث عن إبليس والقصة المعروفة لسجود الملائكة عندما أمرهم الله تعالى بالسجود لآدم تعظيماً له وقد كان إبليس في ذلك الوقت في صف الملائكة بسبب علوّ مرتبته ومقامه، وقد سجد جميع الملائكة إلاّ إبليس لأنّه آثر عصيان الأمر الإلهي وتكبّر على الحقّ وعلى الله، وبالتالي تمّ طرده من ذلك المقام السامي بسبب رفضه الصريح للسجود وحتّى اعتراضه على أصل الأمر الإلهي له، ولذلك أمره الله تعالى بالخروج من ذلك المقام وتلك المرتبة إلى أسفل السافلين حيث تقول الآية: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لاَِدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ا لْكَافِرِينَ)(1). (قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّـغِرِينَ)(2). وفي الحقيقة أنّ هذه أوّل معصية وقعت في عالم الوجود هذه المعصية هي الّتي أدّت بمخلوق مثل إبليس والّذي كان قد عبدالله ستة ألاف سنة (كما ورد في الخطبة القاصعة لأميرالمؤمنين(عليه السلام) في نهج البلاغة) وأُخرج من ذلك المقام بسبب تكبّر ساعة فحبطت أعماله وعباداته وطاعاته وسقط من ذلك المقام الّذي كان يُعدّ فيه مع الملائكة حيث يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام): "إذْ اَحْبَطَ عَمَلَهُ الطَّوِيلَ وَجَهْدَهُ الْجَهِيدَ، وَكَانَ قَدْ عَبَدَ اللهَ سِتَّةَ آلاَفِ سَنَة... عَنْ كِبْرِ سَاعَة وَاحِدَة"(3). وفي هذه القصة المثيرة والمعبّرة نقرأ دقائق ونكات مهمّة جداً حول عواقب التكبّر ونستوحي منها أنّ هذه الصفة الرذيلة يمكن أن تؤدي إلى واقع الكفر والخروج من الإيمان تماماً كما ورد في الآيات محل البحث (أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ا لْكَافِرِينَ)(4). 1. سورة البقرة، الآية 34. 2. سورة الأعراف، الآية 13. 3. نهج البلاغة، الخطبة 192. 4. سورة البقرة، الآية 34.