وإنما يعرف الحق من جمع خمسة أوصاف أعظمها الإخلاص والفهم والإنصاف ورابعها وهو أقلها وجودا وأكثرها فقدانا الحرص على معرفة الحق وشدة الدعوة إلى ذلك .
والبدع قد كثرت والمحدثات قد عمت البلوى بالاشراك وكثر الدعاء إليها والتعويل عليها وطلاب الحق اليوم شبه طلابه في أيام الفترة وهم سلمان الفارسي وزيد بن عمر بن نفيل وأضرابهما فإنهم قدوة لطالب الحق وفيهم له أعظم أسوة لما حرصوا على الحق وبذلوا الجهد في طلبه حتى بلغهم الله إليه وأوقفهم عليه وفازوا من بين العوالم الجمة فكم أدرك الحق طالبه في زمن الفترة وكم عمي عنه من طلبه في زمن النبوة فاعتبر بذلك واقتد بأولئك الكرام فإن الحق ما زال مصونا عزيزا نفيسا كريما لا ينال مع الإضراب عن طلبه وعدم التشوق والإشراف إلى سببه ولا يهجم على البطالين المعرضين ولا يناجي أشباه الأنعام الضالين .
ما أعظم المصاب بالغفلة والإغترار بطول المهلة فليعرف مريد الحق قدر ما هو طالبه فإنه طالب لأعلى المراتب ومن أراد الأخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه فليس في الوجود بأسره أعز من الإيمان بالله وكتبه ورسله ومتابعتها ومعرفة ما جاءوا به إلا تطلب ذلك أهون الطلب فإن طلبه الدنيا وزخارفها الفانية يرتكبون الأخطاء والمتالف الكبار وينفق أحدهم غضارة عمره ونضارة شبابه وأبان أيامه فيها وهي لا تحصل لهم على حسب المراد فكيف بما هو أبقى وخير منها ولم يرفعوا له رأسا ولم يبنوا لها أساسا .
وإنما أطلنا القول لأني أعلم بالضرورة في نفسي وغيري أن جهل الحقائق أكثرها إنما سببه عدم الإهتمام بمعرفتها على الانصاف وترك الإعتساف لا عدم الفهم