ومن المثتبين من زعم أن الكلام قد يطلق على القدرة على التكلم وقد يطلق على الأقوال والعبارات وعلى كلا الاعتبارين فهو قائم بذات الرب تعالى لكن إن كان بالاعتبار الأول فهو قديم متحد لا كثرة فيه وإن كان بالاعتبار الثاني حادثا متكثرا .
هؤلاء هم الكرامية ومنه تابعهم من اهل الضلال .
ونحن الآن نبتدئ بذكر طرق عول عليها العامة من المتكلمين في إثبات الكلام وننبه على مواضع الزلل فيها ثم نوضح بعد ذلك الاجود من الجانبين ونكشف عن مستند الطائفتين إن شاء الله .
فمن جملة ما اعتمد عليه أن قالوا العقل الصريح يقضى بتجويز تردد الخلق بين الأمر والنهى ووقوعهم تحت التكليف فما وقع فيه التردد إما قديم أو حادث فإن كان قديما فهو المطلوب وإن كان حادثا فكل صفة حادثة لابد أن تكون مستندة إلى صفة قديمة للرب تعالى قطعا للتسلسل وإذا كان ذلك وجب أن يستند تكليفهم إلى أمر ونهى هو صفة قديمة للرب تعالى .
وهذا ما لا يصح التعويل عليه وذلك أنه إما أن يدعى أن الخلق جائز تكليفهم وترددهم بين الامر والنهى من الخالق أو من المخلوق فإن كان الأول فهو عين المصادرة على المطلوب وإن كان الثاني فغير مفيد ولا مجد للمقصود ولا يلزم من كون ما وقع به التكليف من الاوامر والنواهى جائزا أن يستند إلى صفة قديمة أن تكون أمرا ونهيا حتى لا يكون أمر حادث إلا عن أمر ولا نهى إلا عن نهى فإن افتقار الجائز في الوجود لا يدل إلا على ما يجب الانتهاء إليه والوقوف عليه ولا دلالة له على كونه أمرا أو نهيا ومن رام إثبات ذلك فقد كلف نفسه شططا