أن لو ثبت أنه تحدى عليهم به ومنعهم من الإتيان بمثله وذلك غير معلوم فلا بد من إثباته ثم ولو ثبت أنه تحداهم به فما الذى يؤمننا من أن المعارضة وقعت واتفقت الأهواء على دفعها وإبطالها أو صرف الله دواعى الخلق عن نقلها وأنساهم إياها أو أن خوف السيف منعهم من إظهارها أو أنهم لم يتعرضوا بالمعارضة لإعراضهم عن النظر فى أن ذلك مما يوجب إفحامه وإبطال دعوته أو أن إعراضهم كان قصدا لإهانته وإخماله بترك معارضته أو لاعتقادهم أن السيف والسنان أقرب إلى إخماد ثائرته وإطفاء جمرته من الاتيان بمعارضته والتطويل فى محاورته وإلا فكيف يعجزون عن الاتيان بمثله وهو غير خارج عن حروف المعجم التى يتكلم بها العرب والعجم والأمكن والألسن .
كيف وإنه ما من أحد إلا وهو قادر على أن يأتى منه بالكلمة والكلمات والآية والآيات ومن كان قادرا على ذلك كان قادرا على كله لكن غاية ما يقدر أنه يتميز عليهم بنوع فصاحة وجزالة وذلك غير مستحيل إذ التفاوت فيما بين الناس في ذلك واقع لا محالة وليس له حد يوقف عنده إذ ما من فصيح إلا ولعل ثم من هو أفصح منه فغير ممتنع أن تنتهى الفصاحة فى حق شخص إلى حد يعجز عن الإتيان بمثله وذلك لا يوجب جعله نبيا وإلا للزم أن من كان دونه فى الدرجة أن يكون نبيا وكلامه معجزا بالنسبة إلى من هو دونه وأن يكون هو متبوعا بالنسبة إلى من هو دونه وتابعا بالنسبة إلى من هو أفصح منه