النفس الناطقة القريبة النسبة من الجواهر الكروبية والجواهر الروحانية لم يكن في العقل بد من حصول لطف المبدأ الأول وإضافة الجود منه عليهم لتتم لهم النعمة في الدنيا والسعادة في الأخرى وكل واحد من الناس قلما يستقل بنفسه وفكرته وحوله وقوته فى تحصيل أغراضه الدنياوية ومقاصده الآخروية إلا بمعين ومساعد له من نوعه وإذ ذاك فلا بد من أن تكون بينهم معاملات من عقود بياعات وإجارات ومناكحات إلى غير ذلك مما تتعلق به الحاجات وذلك لا يتم إلا بالإنقياد والاستسخار من البعض للبعض و قلما يحصل الانخضاع والانقياد من المرء لصاحبه بنفسه مع قطع النظر عن مخوفات ومرغبات دينية وأخروية وسنن يتبعونها وآثر يقتدون بها وذلك كله إنما يتم ببيان ومشرع يخاطبهم ويفهمهم من نوعهم وفاء بموجب عناية المبدأ الأول بهم .
ثم يجب أن يكون البيان مؤيدا من عند الله تعالى بالمعجزات والأفعال الخارقة للعادات التى تتقاصر عنها قوى غيره من نوعه بحيث يكون ذلك موجبا لقبول قوله والانقياد له فيما يسنه ويشرعه ويدعو به إلى الله تعالى وإلى عبادته والانقياد لطاعته وما الله عليه من وجوب الوجود له وما يليق به وما لا يليق به وأحكام المعاد وأحكام المعاش ليتم لهم النظام ويتكامل لهم اللطف والإنعام وذلك كله فالعقل يوجبه لكونه حسنا ويحرم انتفاءه لكونه قبيحا