وأما ما ذكروه من فصل التمييز بين الجوهر والعرض فغايته استبعاد العلم بما قصد إلى إيجاده وتصور حقيقته على وجه يتميز بخصوص وصفه عن غيره وذلك لا يلزم منه تحقق الذات في نفسها أو ثبوتها قبل الحدوث لما سبق ثم ولو استدعى ذلك ثبوتها قبل الحدوث لجاز أن ما كان منها مشارا إلى جهته بعد الحدوث أن يكون مشارا إلى جهته قبل الحدوث أيضا وذلك أن ما له الجهة وهو الواقع في امتداد الإشارة اما أن يكون نفس الوجود الذى هو متعلق القدرة فهو محال فإنه ذات معقولة وليس بمحسوس بحيث يكون في الجهة ويقع في امتداد الإشارة وان كان ذلك ثابتا للذات والذات ثابتة قبل الحدوث فوجب أن يكون او جاز أن يكون في الجهة وهو محال .
ومثار الجهل ومنشأ الخيال ههنا لأهل الضلال في اعتقاد كون المعدوم شيئا إنما هو من تطفلهم سلوك مسلك الهيولانين ونسجهم على منوال الفلاسفة الالهيين وظنهم أن ذلك من اليقينيات وانه لا منافرة بينه وبين القول بحدث الكائنات ولهذا لما تخيل بعضهم ما فيه من الجهالة وشحذ راية الضلال قال إنما نطلق عليه اسم الشئ والذات من جهة الألفاظ والعبارات وربما تمسك في ذلك بالسمع وظواهر واردة في الشرع مثل قوله تعالى ولا تقولن لشئ إنى فاعل ذلك غدا وكذلك قوله إن زلزلة الساعة شئ عظيم فإنه قد سمى الساعة والفعل قبل كونهما شيئا وهذا وإن كان نزاعا في اللفظ دون المعنى وأنه أقل طغاوة من الأول لكنه مما لا عليه معول ومعنى قوله ولا تقولن لشئ إنى فاعل أى فاعل غدا شيئ إلا أن يشاء الله وكذا تسميته زلزلة الساعة شيئا إنما هو في وقت كونهما وهذا على رأى من لا يعترف منهم بكون المعدوم متحركا أولى وأحرى من جهة