العدم فإنه إن أريد به انتقاء الوجود فصحيح وان أريد به انتفاء الإثبات فذلك مما لا يسلمه الخصم بل ما وقع موجبا للتكثر في حالة الوجود بوجوده فهو بعينه موجب للتكثر في حالة العدم بثبوته كيف وأنه مع ما فيه من الركاكة مناقض للوجه الأول من جهة أنه يتضمن القول بجواز التمييز بالأمور العرضية والوجه الأول يمنعه .
وما ذكره في الوجه الثالث من امتناع ثبوت ذوات لا نهاية لها بناء على فرض وقوع الزيادة والنقصان بأمر متناه فقد سبق وجه إفساده فيما مضى .
فإذا الرأى الحق والسبيل الصدق أن يقال لو كانت الذوات ثابتة في العدم فعند وجودها إما أن يتجدد لها أمر لم يكن لها في حال عدمها أو ليس فإن قيل بالأول فهو أيضا إما جوهرا وإما عرضا وإما حالا زائدا عليهما لا جائز أن يكون جوهرا ولا عرضا إذ قد فرضت ذواتهما ثابتة بديا إذ لا فرق في ذلك بين جوهر وجوهر ولا بين عرض وعرض وان كان حالا زائدة فهو مبنى على القول بالأحوال وقد سبق إبطالها .
وإن قيل بالثانى لم يكن فرق بين الوجود والعدم وهو محال والقول إذا بالحدوث والوجود محال وهذا المحال إنما لزم من فرض الذوات ثابتة في العدم ومتحققة في القدم فلا ثبوت لها والتحقق بالحدوث والثبوت إنما هو لنفس الذوات الجوهرية والعرضية لا غير .
وأيضا فإنا نفرض الكلام في السواد والبياض فنقول لو كانت ذواتها ثابتة في العدم فإما أن تكون مفتقرة إلى محال تقوم به أو غير مفتقرة لا جائز أن تكون غير مفتقرة وإلا فعند وجودها إما أن تفتقر أو لا تفتقر القول بعدم الافتقار محال والا لما وقع الفرق بين الجواهر والأعراض وان افتقرت فإما ان تفتقر إلى المحل بإعتبار ذواتها