أن يقال بالأول فإنا كنا لا نشعر بها في مبدأ نشوئنا ولو كانت حاصلة لما وقع الذهول عنها إذ هو متناقض وإن قيل بالثاني فإما يقال حصلت بالدليل أو بغير دليل فان كانت بالدليل فليست بديهية وإن كانت من غير دليل فاختصاص حصولها بزمان دون زمان هو مما لا حاصل له .
وأما قولكم إن ما وجد بعد العدم لا بد وأن يكون وجوده لغيره وإلا لما كان معدوما قبل فلو كان وجوده لغيره لم يخل إما أن يكون ذلك الغير دائما علة أوحدث كونه علة فإن كان دائما علة وجب ألا يتأخر وجود معلوله عن وجوده وأن لا يكون مسبوقا بالعدم وإن حدث كونه علة فالكلام في تلك العلة كالكلام في معلولها وهلم جرا وهذا يؤدى إلى أن لا يكون معدوما ولا مسبوقا بالعدم وهو محال أو إلى علل ومعلولات لا تتناهى ولم تقولوا به .
وإنه لو افتقر الحادث في حال حدوثه إلى محدث لافتقر المعدوم في حال عدمه إلى معدم وهو ممتنع لأن ما اقتضى العدم إما نفس ما اقتضى الوجود أو غيره لا جائز أن يكون نفسه فإن ما اقتضى وجود شئ لا يقتضى عدمه وإن كان غيره فذلك الغير إما واجب بذاته أو لغيره فإن كان واجبا بذاته أدى إلى اجتماع واجبين وهو محال كما سيأتي كيف ويلزم أن يكون الشئ الواحد موجودا ومعدوما معا لتحقق ما يقتضى كل واحد منهما وهو ممتنع وإن كان واجبا لغيره فذلك الغير اما أن يكون هو نفس ما أوجب الحدوث أو غيره فإن كان نفسه فيستحيل أن يوجب بذاته ما يقتضى عدم ما يقتضيه وجوده بذاته وإن كان غيره فيفضى إلى اجتماع واجبين هو متعذر .
وأيضا فإنه لو افتقر إلى موجد لم يخل إما أن يكون موجدا له في حال وجوده أو في حال عدمه فإن كان موجدا له في حال وجوده فهو محال إذ الموجود لا يوجد وإن كان موجدا له في حال عدمه فهو محال أيضا ظاهر الإحالة ولو سلمنا أن ما وجد بعد العدم لا بد وأن يكون وجوده بغيره لكن لا إفضاء له إلى أثبات واجب الوجود مع كون الخصم قائلا بعلل ومعلولات إلى غير النهاية