كن فيكون فلو كان الأمر مخلوقا لاستدعى ذلك سابقة أمر آخر وذلك يفضى إلى التسلسل وهو محال وبما قررناه يندفع قولهم أيضا إن الأمة من السلف مجمعة على ان القرآن مؤلف من الحروف والأصوات فإن الإجماع إنما انعقد على ذلك بمعنى القراءة لا بمعنى المقروء وإليه الإشارة بقوله إن علينا جمعه وقرآنه .
وقولهم لو لم يكن كذلك لما سمعه موسى قلنا الدليل إنما لزم المعطل ههنا من حيث إنه لم يفهم معنى السماع وإنه بأى اعتبار يسمى سماعا وعند تحقيقه يندفع الإشكال فنقول السماع قد يطلق ويراد به الإدراك كما في الإدراك بحاسة الأذن وقد يطلق ويراد به الانقياد والطاعة وقد يطلق بمعنى الفهم والإحاطة ومنه يقال سمعت فلانا وإن كان ذلك مبلغا على لسان غيره ولا يكون المراد به غير الفهم لما هو قائم بنفسه والذي هو مدلول عبارة ذلك المبلغ وإذا عرف ذلك فمن الجائز أن يكون قد سمع موسى كلام الله تعالى القديم بمعنى أنه خلق له فهمه والإحاطة به إما بواسطة أو بغير واسطة والسماع بهذا الاعتبار لا يستدعى صوتا ولا حرفا