والجمهور من أهل هذا القول قالوا إن الظلم في حقه تعالى ممتنع لذاته غير مقدور كما صرح بذلك الأشعري والقاضي أبو بكر وأبو المعالي والقاضي أبو يعلى وابن الزاغوني وغيرهم ويقولون إنه تعالى غير قادر على الظلم والكذب وغيرهم من القبائح ولا يصح وصفه بشيء من ذلك لأن ذلك مستحيل في حقه تعالى وقدرته لا تتعلق بالمستحيل .
وقال آخرون من أهل الحكمة والتعليل إن الظلم مقدور عليه في حقه تعالى وهو منزه عنه قيل وهذا قول الجمهور من المثبتين للقدر ونفاته وقول كثير من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وتفسير الظلم على قول هؤلاء هو تعذيب الإنسان بذنب غيره أو تعدي ما حد له والله منزه عن كل منهما وقالوا الفرق بين تعذيب الإنسان على فعله الاختياري وغير فعلة الاختياري أمر مستقر في فطر العقول وأما كون الرب خالق كل شئ فذلك لا يمنع كون العبد هو الملوم على ذلك شرعا وعقلا وعرفا أما شرعا فواضح وأما عقلا وعرفا فلأن غيره من المخلوقين يلومه على ظلمه وعدوانه مع إقرارهم بأن الله خالق ظلم العباد وجماهير الأمم مقرة بالقدر وأن الله تعالى خالق كل شيء وهم مع هذا يذمون الظالمين ويعاقبوهم لدفع ظلمهم وعدوانهم كما أنهم يعتقدون أن الله خلق الحيوانات المضرة وهم مع ذلك يسعون في دفع ضررها بالقتل وغيره وهم أيضا متفقون على أن الكاذب والظالم مذموم بكذبه وظلمه وأن ذلك وصف سيء فيه وأن نفسه المتصفة بذلك خبيثة ظالمة لا تستحق الإكرام الذي يناسب أهل الصدق والعدل وقد استقر أيضا في بداية العقول أن الأفعال الاختيارية يكسب بها الإنسان صفات محمودة وصفات مذمومة بخلاف نحو لونه وطوله وعرضه فإنه لا فعل فيه للعبد بوجه من الوجوه واستثكل أن خلق الفعل مع حصول العقوبة عليه ظلم وأجيب أن هذا بمنزلة أن يقال إن خلق أكل السم ثم حصول الموت به ظلم أو خلق الحمى ثم حصول الموت بها ظلم والظلم