للفعل يستلزم الجبر قيل له هذا المعنى حق ولا دليل على إبطاله وحذاق المعتزلة كأبي الحسين البصري وأمثاله يسلمون أن مع وجود الداعي والقدرة يجب وجود الفعل وسلموا أن الله خلق الداعي والقدرة فلزم أن يكون الله خالق أفعال العباد ولكن لم يقولوا بذلك وأبو الحسين هذا وإن كان يدعي الغلو في الاعتزال حتى أدعى العلم بأن العبد يوجد أفعاله أمر ضروري كان أيضا عظيم الغلو في القول بالجبر وحيث قلنا إن حقيقة القول أن الله سبحانه هو الخالق لفعل العبد فإذ قالت القدرية هذا ينافي كون العبد مختارا لأنه لا معنى للمختار إلا معنى كونه قادرا على الفعل والترك وأنه إن شاء فعل هذا وأن شاء فعل هذا قيل لهم هذا مسلم ولكن هل هو قادر على الفعل والترك على سبيل البدل أو على سبيل الجمع والثاني باطل فإن الفعل والترك ضدان وإجتماعهما ممتنع والقدرة لا تكون على ممتنع فعلم أن قولنا قادر على الفعل والترك أي يقدر أن يفعل في حال عدم الترك ويقدر أن يترك في حال عدم الفعل فقول القائل القادر إن شاء فعل وإن شاء ترك هو على سبيل البدل لا أنه يقدر أن يشاء الفعل والترك معا بل حال مشيئته للفعل لا يكون مريدا للترك وحال مشيئته للترك لا يكون مريدا للفعل فحال كونه شاء للفعل مع القدرة التامة يجب وجود الفعل وحال وجود الفعل يمتنع أن يكون مريدا للترك مع الفعل وأن يكون قادرا على الترك مع الفعل والتخيير بينهما إنما يكون عند عدمهما جميعا فأما حال الفعل فيمتنع الترك وحال الترك يمتنع الفعل وحينئذ فالفعل واجب حال وجوده لا في الحال التي كان مخيرا فيها بين الفعل والترك نعم قد يكون الفاعل حال الفعل مريدا للترك بعد الفعل وهذا ترك ثان ليس هو ترك ذلك الفعل في حال وجوده فتأمل إذا تقرر هذا فأعلم أن مذهب جمهور أهل السنة أن أفعال الإنسان الاختيارية مستندة إليه وأنه فاعل لها والله خلقه فاعلا وأنه مريد مختار والله جعله مريدا مختارا فالماشي مثلا يمشي حقيقة والله جعله ماشيا بمنزلة مريض مشى بين اثنين ولله المثل الأعلى ويثبتون