التى يرزءون بها ففصل بين الأمرين فصلا لا مجال معه للخلط بينهما فأما النعم التى يمتع الله بها بعض الأشخاص فى هذه الحياة والرزايا التى يرزأ بها فى نفسه فكثير منها كالثروة والجاه والقوة والبنين أو الفقر والضعة والضعف والفقد قد لا يكون كاسبها أو جاليها ما عليه الشخص فى سيرته من استقامة وعوج أو طاعة وعصيان وكثيرا ما أمهل الله بعض الطغاة البغاة أو الفجرة الفسقة وترك لهم متاع الحياة الدنيا إنظارا لهم حتى يتلقاهم ما أعد لهم من العذاب المقيم فى الحياة الأخرى وكثيرا ما امتحن الله الصالحين من عباده وأثنى عليهم فى الاستسلام لحكمه وهم الذين إذا أصابتهم مصيبة عبروا عن إخلاصهم فى التسليم بقولهم إنا لله وإنا إليه راجعون فلا غضب زيد ولا رضا عمرو ولا إخلاص سريرة ولا فساد عمل مما يكون له دخل فى هذه الرزايا ولا فى تلك النعم الخاصة اللهم إلا فيما ارتباطه بالعمل ارتباط المسبب بالسبب على جارى العادة كارتباط الفقر بالإسراف والذل بالجبن وضياع السلطان بالظلم وكارتباط الثروة بحسن التدبير فى الأغلب والمكانة عند الناس بالسعى فى مصالحهم على الأكثر وما يشبه ذلك مما هو مبين فى علم آخر .
أما شأن الأمم فليس على ذلك فإن الروح الذى أودعه الله جميع شرائعه الإلهية من تصحيح الفكر وتسديد النظر وتأديب الأهواء وتحديد مطامح الشهوات والدخول إلى كل امر من بابه وطلب كل رغيبة من أسبابها وحفظ الأمانة واستشعار الإخوة والتعاون على البر والتناصح فى الخير والشر وغير ذلك من أصول الفضائل ذلك الروح هو مصدر حياة الأمم ومشرق سعادتهم فى هذه الدنيا قبل الآخرة من يرد ثواب الدنيا نؤته منها ولن يسلب الله عنها نعمته ما دام هذا الروح فيها يزيد الله النعم بقوته وينقصها بضعفه حتى إذا فارقها ذهبت السعادة على أثره وتبعته الراحة إلى مقره واستبدل الله عزة القوم بالذل وكثيرهم بالقل ونعيمهم بالشقاء وراحتهم بالعناء وسلط عليهم الظالمين أو العادلين فأخذهم بهم وهم فى غفلة ساهون وإذا أردنا أن نهلك