تصدر عن ذلك الشعور بالسطان الإلهى الذى يغمر القوة البشرية ويستغرق الحول فتخشع له القلوب وتستحذى له النفوس وليس فيها شىء يعلو على متناول العقل إلا نحو تحديد عدد الركعات أو رمى الجمرات على أنه مما يسهل التسليم فيه لحكمة العليم الخبير وليس فيه من ظاهر العبث واستحالة المعنى ما يخل بالأصول التى وضعها الله للعقل فى الفهم والتفكير أما الصوم فحرمان يعظم به أمر الله فى النفس وتعرف به مقادير النعم عند فقدها ومكانة الإحسان الإلهى فى التفضل بها كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أما أعمال الحج فتذكير للإنسان بأوليات حاجاته وتعهد له بتمثيل المساواة بين أفراده ولو فى العمر مرة يرتفع فيها الامتياز بين الغنى والفقير والصعلوك والأمير ويظهر الجميع فى معرض واحد عراة الأبدان متجردين عن آثار الصنعة وحدت بينهم العبودية لله رب العالمين كل ذلك مع استبقائهم فى الطواف والسعى والمواقف ولمس الحجر ذكرى إبراهيم عليه السلام وهو أبو الدين وهو الذى سماهم المسلمين واستقرار يقينهم على أن لا شىء من تلك البقايا الشريفة يضر أو ينفع وشعار هذا الإذعان الكريم فى كل عمل الله اكبر أين هذا كله مما تجد في عبادات أقوام آخرين يضل فيها العقل ويتعذر معها خلوص السر للتنزيه والتوحيد .
كشف الإسلام عن العقل غمة من الوهم فيما يعرض من حوادث الكون الكبير العالم والكون الصغير والإنسان فقرر أن آيات الله الكبرى فى صنع العالم إنما يجرى أمرها على السنن الإلهية التى قدرها الله فى علمه الأزلى لا يغيرها شىء من الطوارىء الجزائية غير أنه لا يجوز أن يغفل شأن الله فيها بل ينبغى أن يحيى ذكره عند رؤيتها فقد جاء على لسان النبى إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله وفيه التصريح بأن جيمع آيات الكون تجرى على نظام واحد لا يقضى فيه إلا العناية الأزلية على السنن التى أقامته عليها ثم أماط اللثام عن حال الإنسان فى النعم التى يتمتع بها الأشخاص أو الأمم والمصائب