كانت أشام النزعات على العالم الإنسانى وهى نزعة الحرب بين أهل الدين للإلزام ببعض قضايا الدين فتقوض الأصل وتخرمت العلائق بين الأهل وحلت القطيعة محل التراحم والتخاصم مكان التعاون والحرب محل السلام وكان الناس على ذلك إلى أن جاء الإسلام .
كان سن الاجتماع البشرى قد بلغ بالإنسان أشده وأعدته الحوادث الماضية إلى رشده فجاء الإسلام يخاطب العقل ويستصرخ الفهم واللب ويشركه مع بعض العواطف والإحساس فى إرشاد الإنسان إلى سعادته الدنيوية والأخروية وبين للناس ما اختلفوا فيه وكشف لهم عن وجه ما اختصموا عليه وبرهن على أن دين الله فى جميع الأجيال واحد ومشيئته فى إصلاح شئونهم وتطهير قلوبهم واحدة وأن رسم العبادة على الأشباح إنما هو لتجديد الذكرى فى الأرواح وأن الله لا ينظر إلى الصور ولكن ينظر إلى القلوب وطالب المكلف برعاية جسده كما طالبه بإصلاح سره ففرض نظافة الظاهر كما أوجب طهارة الباطن وعد كلا الأمرين طهرا مطلوبا وجعل روح العبادة والإخلاص وأن ما فرض من الأهمال إنما هو لما أوجب من التحلى بمكارم الأخلاق إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين ورفع الغنى الشاكر إلى مرتبة الفقير الصابر بل ربما فضله عليه وعامل الإنسان فى مواعظه معاملة الناصح الهادى للرجل الرشيد فدعاه إلى استعمال جميع قواه الظاهرة والباطنة وصرح بما لا يقبل التأويل أن فى ذلك رضا الله وشكر نعمته وأن الدنيا مزرعة الآخرة ولا وصول إلى خير العقبى إلا بالسعى فى صلاح الدنيا .
التفت إلى أهل العناد فقال لهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين وعنف النازعين إلى الخلاف والشقاق على ما زعزعوا من اصول اليقين ونص على أن التفرق بغى وخروج عن سبيل الحق المبين ولم يقف فى ذلك عند حد الموعظة بالكلام والنصيحة بالبيان بل شرع شريعة الوفاق وقررها فى