إليه ثم غالوا فى ذلك فحرموا أنفسهم أيضا مزية الفهم إلا قليلا ورموا عقولهم بالقصور عن إدراك ما جاء فى الشرائع والنبوات ووقفوا كما وقفوا بالناس عند تلاوة الألفاظ تعبدا بالأصوات والحروف فذهبوا بحكمة الارسال فجاء القرآن يلبسهم عار ما فعلوا فقال ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أمانى وإن هم إلا يظنون مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدى القوم الظالمين أما الأمانى ففسرت بالقراءت والتلاوات أى لا يعلمون منه إلا أن يتلوه وإذا ظنوا أنهم على شىء مما دعا إليه فهو عن غير علم بما أودعه وبلا برهان على ما تخيلوه عقيدة وظنوه دينا وإذا عن لأحدهم أن يبين شيئا من أحكامه ومقاصده لشهوة دفعته إلى ذلك جاء فيما يقول بما ليس منه على بينة واعتسف فى التأويل وقال هذا من عند الله فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا أما الذين قال إنهم لم يحملوا التوراة وهى بين أيديهم بعد ما حملوها فهم الذين لم يعرفوا منها إلا الألفاظ ولم تسم عقولهم إلى درك ما أودعته من الشرائع والأحكام فعميت عليهم بذلك طرق الاهتداء بها وطمست عن أعينهم أعلام الهداية التى نصبت بانزالها فحق عليهم ذلك المثل الذى أظهر شأنهم فيما لا يليق بنفس بشرية أن تظهر به مثل الحمار الذى يحمل الكتب ولا يستفيد من حملها إلا العناء والتعب وقصم الظهر وانهيار النفس وما أشنع شأن قوم انقلبت بهم الحال فما كان سببا فى إسعادهم وهو التنزيل والشريعة أصبح سببا فى شقائهم بالجهل والغباوة وبهذا التقريع ونحوه وبالدعوة العامة إلى الفهم وتمحيص الألباب لفقه واليقين مما هو منتشر في القرآن العزيز فرض الإسلام على كل ذى دين أن يأخذ بحظه من علم ما أودع الله فى كتبه وما قرر من شرعه وجعل الناس فى ذلك سواء بعد استيفاء الشرط بإعداد ما لا بد منه للفهم وهو سهل المنال