يعلمونهم من أنباء الغيب ما أذن الله لعباده فى العلم به مما لو صعب على العقل اكتناهه لم يشق عليه الاعتراف بوجوده .
بهذا تطمئن النفوس وتثلج الصدور ويعتصم المرزوء بالصبر انتظارا لجزيل الأجر أو إرضاء لمن بيده الأمر وبهذا ينحل أعظم مشكل فى الاجتماع الإنسانى لا يزال العقلاء يجهدون أنفسهم فى حله إلى اليوم .
ليس من وظائف الرسل ما هو من عمل المدرسين ومعلمى الصناعات فليس مما جاءوا له تعليم التاريخ ولا تفصيل ما يحويه عالم الكواكب ولا بيان ما اختلف من حركاتها ولا ما استسكن من طبقات الأرض ولا مقادير الطول فيها والعرض ولا ما تحتاج إليه النباتات فى نموها ولا ما تفتقر إليه الحيوانات فى بقاء أشخاصها أو أنواعها وغير ذلك مما وضعت له العلوم وتسابقت فى الوصول إلى دقائقه الفهوم فإن ذلك كله من وسائل الكسب وتحصيل طرق الراحة هدى الله إليه البشر بما أودع فيهم من الإدراك يزيد فى سعادة المحصلين ويقضى فيه بالنكد على المقصرين ولكن كانت سنة لله فى ذلك أن يتبع طريقة التدرج فى الكمال وقد جاءت شرائع الأنبياء بما يحمل على الإجمال بالسعى فيه وما يكفل التزامه بالوصول إلى ما أعد الله له الفطر الإنسانية من مراتب الارتقاء .
أما ما ورد فى كلام الأنبياء من الإشارة إلى شىء مما ذكرنا فى أحوال الأفلاك أو هيئة الأرض فإنما يقصد منه النظر إلى ما فيه من الدلالة على حكمة مبدعة أو توجيه الفكر إلى الغوص لإدراك اسراره وبدائعه ولغتهم عليهم الصلاة والسلام فى مخاطبة أممهم لا يجوز أن تكون فوق ما يفهمون وإلا ضاعت الحكمة فى إرسالهم ولهذا قد يأتى التعبير الذى سبق إلى العامة بما يحتاج إلى التأويل والتفسير عند الخاصة وكذلك ما وجه إلى الخاصة يحتاج إلى الزمان الطويل حتى يفهمه العامة وهذا القسم أقل ما ورد فى كلامهم .
على كل حال لا يجوز أن يقام الدين حاجزا بين الأرواح وبين ما ميزها الله به من الاستعداد للعلم بحقائق الكائنات الممكنة بقدر الإمكان بل يجب أن يكون