ينبت باهمالها وينموا باغفالها فإذا لامستها عناية الزارع غلبه الخصب وذهب به الذكاء ولكن تلك الديانات التى جاء بها أولئك الأنبياء قامت فى العالم الإنسانى ما شاء الله مما قدر لها مقام سائر قواه مع كثرة المعارضين وقوة سلطان المغالبين فلا يمكن أن يكون اسها الكذب ودعامتها الحيلة وكلامنا هذا فى جوهرها الذى يلوح دائما فى خلال ما ألحق بها المبتدعون أما بقية الرسل ممن يجب علينا الإيمان بهم فيكفى فى إثبات نبوتهم إثبات رسالة نبينا أخبرنا برسالتهم وهو الصادق فيما بلغ به وسنأتى على الكلام فى رسالة نبينا محمد باب على حدته إن شاء الله .
وظيفة الرسل عليهم السلام .
تبين مما تقدم فى حاجة العالم الإنسانى إلى الرسل أنهم من الأمم بمنزلة العقول من الأشخاص وأن بعثتهم حاجة من حاجات العقول البشرية قضت رحمة المبدع الحكيم بسدادها ونعمة عن نعم واهب الوجود ميز بها الإنسان عن بقية الكائنات من جنسه ولكنها حاجة روحية وكل مالامس الحس منها فالقصد فيه إلى الروح وتظهيرها من دنس الأهواء الضالة أو تقويم ملكاتها أو إبداعها ما فيه سعادتها فى الحياتين أما تفصيل طرق المعيشة والحذق فى وجوه الكسب وتطاول شهوات العقل إلى درك ما أعد للوصول إليه من أسرار العلم فذلك مما لا دخل للرسالات فيه إلا من وجه النطة العامة والإرشاد إلى الإعتدال فيه وتقرير أن شرط ذلك كله أن لا يحدث ريبا فى الاعتقاد بأن للكون إلها واحدا قادرا عالما حكيما منصفا بما أوجب الدليل أن يتصف به وباستواء نسبة الكائنات إليه فى أنها مخلوقة له وصنع قدرته وإنما تفاوتها فيما اختص به بعضها من الكمال وشرطه أن لا ينال شىء من تلك الأعمال السابقة أحدا من الناس بشر فى نفسه أو عرضه أو ماله بغير حق يقتضيه نظام عامة الأمة على ما حدد في شريعتها .
يرشدون العقل إلى معرفة الله وما يجب أن يعرف من صفاته ويبينون الحد الذى يجب أن يقف عنده فى طلب ذلك العرفان على وجه لا يشق عليه الاطمئنان