فكان جل ما في علوم الكلام تأويل وتفسير وإدهاش بالمعجزات أو إلهاء بالخيالات يعلم ذلك من له إلمام بأحوال الأمم قبل البعثة الإسلامية .
جاء القرآن فنهج بالدين منهجا لم يكن عليه ما سبقه من الكتب المقدسة منهجا يمكن لأهل الزمن الذى أنزل فيه ولمن يأتى بعدهم أن يقوموا عليه فلم يقصر الاستدلال على نبوة النبى بما عهد الاستدلال به على النبوات السابقة بل جعل الدليل في حال النبى مع نزول الكتاب عليه في شأن من البلاغة يعجز البلغاء عن محاكاته فيه ولو في مثل أقصر سورة منه وقص علينا من صفات الله ما أذن الله لنا أو ما أوجب علينا أن نعلم لكن لم يطلب التسليم به لمجرد أنه جاء بحكايته ولكنه أقام الدعوى وبرهن وحكى مذاهب المخالفين وكر عليها بالحجة وخاطب العقل واستنهض الفكر وعرض نظام الأكوان وما فيها من الأحكام والأتقان على أنظار العقول وطالبها بالإمعان فيها لتصل بذلك إلى اليقين بصحة ما أدعاه ودعا إليه حتى أنه في سياق قصص أحوال السابقين كان يقرر للخلق سنة لا تغير وقاعدة لا تتبدل فقال سنة الله التى خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا وصرح إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم فطرة الله التى فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله واعتضد بالدليل حتى في باب الأدب فقال ادفع بالتى هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم وتآخى العقل والدين لأول مرة في كتاب مقدس على لسان نبى مرسل بتصريح لا يقبل التأويل .
وتقرر بين المسلمين كافة إلا من لاثقة بعقله ولا بدينه أن من قضايا الدين مالا يمكن الاعتقاد به إلا من طريق العقل كالعلم بوجود الله وبقدرته على إرسال الرسل وعلمه بما يوحى به إليهم وإرادته لاختصاصهم برسالته وما يتبع ذلك مما يتوقف عليه فهم معنى الرسالة وكالتصديق بالرسالة نفسها كما أجمعوا على أن الدين إن جاء بشىء قد يعلو عن الفهم فلا يمكن أن يأتى بما يستحيل عند العقل .
جاء القرآن يصف الله بصفات وإن كانت أقرب إلى التنزيه مما وصف