هذا شأننا فهم عالم الشهادة فماذا نؤمل من عقولنا وأفكارنا فى العلم بما فى عالم الغيب هل فيما بين أيدينا من الشاهد معالم نهتدى بها إلى الغائب وهل فى طرق الفكر ما يوصل كل أحد إلى معرفة ما قدر له فى حياة يشعر بها وبأن لا مندوحة عن القدوم عليها ولكن لم يوهب من القوة ما ينفذ إلى تفصيل ما أعد له فيها والشؤن التى لا بد أن يكون عليها بعد مفارقة ما هو فيه أو إلى معرفة بيد من يكون تصريف تلك الشئون هل فى اساليب النظر ما يأخذ بك إلى اليقين بمناطها من الاعتقادات والأعمال وذلك الكون مجهول لديك وتلك الحياة فى غاية الغموض بالنسبة إليك كلا فإن الصلة بين العالمين تكاد تكون منقطعة فى نظر العقل ومرامى المشاعر ولا اشتراك بينهما إلا فيك أنت فالنظر فى المعلومات الحاضرة لا يوصل إلى اليقين بحقائق تلك العوالم المستقبلة .
أفليس من حكمةالصانع الحكيم الذى أقام أمر الإنسان على قاعدة الإرشاد والتعليم الذى خلق الإنسان وعلمه البيان علمه الكلام للتفاهم والكتاب للتراسل أن يجعل من مراتب الأنفس البشرية مرتبة يعدلها بمحض فضله بعض من يصطفيه من خلقه وهو أعلم حيث يجعل رسالته يميزهم بالفطر السليمة ويبلغ بأرواحهم من الكمال ما يليقون معه للاستشراق بأنوار علمه والأمانة على مكنون سره مما لو انكشف لغيرهم انكشافه لهم لفاضت له نفسه أو ذهبت بعقله جلالته وعظمه فيشرفون على الغيب بإذنه ويعلمون ما سيكون من شأن الناس فيه ويكونون فى مراتبهم العلوية على نسبة من العالمين نهاية الشاهد وبداية الغائب فهم فى الدنيا كأنهم ليسوا من أهلها وهم وفد الآخرة فى لباس من ليس من سكانها ثم يتلقون من أمره أن يحدثوا عن جلاله وما خفى على العقول من شئون حضرته الرفيعة بما يشاء أن يعتقده العباد فيه وما قدر أن يكون له مدخل فى سعادتهم الآخروية وأن يبينوا للناس من أحوال الآخرة ما لا بد لهم من علمه معبرين عنه بما تحتمله طاقة عقولهم ولا يبعد عن متناول أفهامهم وأن يبلغوا عنه شرائع عامة تحدد لهم سيرهم فى تقويم نفوسهم وكبح شهوانهم وتعلمهم من الأعمال ما هو مناط سعادتهم وشقائهم فى ذلك الكون المغيب عن