أكابر أصحاب أبى الحسن الأشعرى وعلى ذلك المعتزلة إلا ابا الحسن البصرى فقال بجواز وقوعها وعليه جمهور الأشاعرة واستدل الذاهبون إلى الجواز بما جاء فى الكتاب من قصة الذى عنده علم من الكتاب الواردة فى خبر بلقيس من إحضاره عرشها قبل ارتداد الطرف وقصة مريم عليها السلام وحضور الرزق عندها وقصة أصحاب الكهف واحتج الآخرون بأن ذلك يوقع الشبهة فى المعجزات وأولوا ما جاء فى الآيات أما أن ذلك يوقع الشبهة فى المعجزات فليس بصحيح لأن المعجزات إنما تظهر مقرونة بدعوى الرسالة والتبليغ عن الله تعالى ولا بد أن تكتنفها حوادث تميزها عما سواها وأما ما احتج به المجوزون من الآيات فلا دليل فيه لأن ما فى قصة مريم وآصف قد يكون بتخصيص من الله تعالى لوقوعه فى عهد الأنبياء E ولا علم لنا بما اكتنف تلك الوقائع من شئون الله فى أنبياء ذلك العهد إلا قليلا وأما قصة أهل الكهف فقد عدها الله من آياته فى خلقه وذكرنا بها لنعتبر بمظاهر قدرته فليست من قبيل ما الكلام فيه من عموم الجواز فصار البحث فى جواز وقوع الكرامات نوعا من البحث فى متناول همم النفوس البشرية وعلاقتها بالكون الكبير وفى مكان الأعمال الصالحة وارتقاء النفوس فى مقامات الكمال من العناية الإلهية وهو بحث دقيق قد يختص بعلم آخر وأما مجرد الجواز العقلى وأن صدور خارق للعادة على يد غير نبى مما تتناوله القدرة الإلهية فلا أظن أنه موضع نزاع يختلف عليه العقلاء وإنما الذى يجب الالتفات إليه هو أن أهل السنة وغيرهم فى اتفاق على أنه لا يجب الاعتقاد بوقوع كرامة معينة على يد ولى لله معين بعد ظهور الإسلام فيجوز لكل مسلم بإجماع الأمة أن ينكر صدور أي كرامة كانت من أى ولى كان ولا يكون بإنكاره هذا مخالفا لشىء من أصول الدين ولا مائلا عن سنة صحيحة ولا منحرفا عن الصراط المستقيم اللهم إلا ان يكون مما صح فى السنة عن الصحابة أين هذا الأصل المجمع عليه مما يهذى به جمهور المسلمين فى هذه الأيام حيث يظنون أن الكرامات وخوارق العادات أصبحت من ضروب الصناعات يتنافس فيها الأولياء وتتفاخر فيها همم الأصفياء وهو مما يتبرأ منه الله ودينه وأولياؤه وأهل العلم أجمعون