ولقد قال في سورة البقرة ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون وقد ثبت من ذلك أنه لا يتعسر فهم ما جاء في القرآن وإنما يحتج بتعسره وغموضه من جمحت نفسه وقسا قلبه فإن النفوس تعاف الانقياد وتتهرب من العمل والطاعة وإنما تريد أن يلقى حبلها على غاربها وتترك لها حريتها وانطلاقها .
ولا يتوقف فهم كلام الله ورسوله على علم غزير وذكاء حاد فإن الأنبياء لم يبعثوا إلا لهداية الضلال وتعليم الجهال وقد قال الله تعالى في سورة الجمعة هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين وقد من الله بذلك على عباده فمن مضى بعد ذلك يقول إنه لا سبيل لغير العالم إلى فهم ما جاء به النبي ولا طاقة لغير من سمت همتهم وتزكت نفوسهم أن يعمل بتعاليمه ويسلك طريقه فقد أنكر هذه الآية وكفر بهذه النعمة وحرى أن يقال إن القرآن يرتقي بالجهال إلى درجة العلماء والضلال إلى مستوى الصالحين والأصفياء