[ 62 ] المأمور به والرتبة معتبرة في التكليف كاعتبارها في الامر. يدل على ذلك أن من أراد من الغير ما يلحقه فيه مشقة سمى مكلفا له، ومتى أراد من الغير ما لا يلحقه فيه مشقة لم يسم " بذلك، ولذلك لم يكن الواحد منا إذا أراد من الله تعالى الفعل مكلفا له وإذا أراد الله تعالى منا الفعل الذي فيه مشقة كان مكلفا سواء كان ذلك الفعل واجبا أو ندبا. واعلام المكلف وجوب الفعل أو حسنه أو دلالته عليه شرط في حسن التكليف من الله، لانه من جملة ازاحة العلة فيما كلفه. وليس نفس الاعلام هو التكليف، ولهذا كان مكلفا له وان لم يكن معلما له 1). وانما لم يسم الواحد منا إذا أراد من الغير الصوم أو الصلاة مكلفا له، لانه سبق في ذلك تكليف الله وارادته، فلذلك لم يسموه بذلك. فإذا ثبت حقيقة التكليف فيحتاج في العلم بحسنه إلى معرفة أشياء: أولها صفات التكليف، وثانيها صفات المكلف، وثالثها صفات الفعل الذي يتناوله التكليف، ورابعها ما الغرض بالتكليف. ونحن نبين جميع ذلك على أخصر الوجوه، وقبل ذلك نبين أولا ما وجه الحسن في ابتداء الخلق، وبيان ذلك أن نقول: لا يخلو أن يكون في ابتداء الخلق غرض أو لا غرض فيه، فان كان لا غرض فيه فهو عبث، وذلك قبيح لا يجوز عليه تعالى. وان كان فيه غرض لا يخلو أن يكون فيه غرض قبيح أو حسن، فالقبيح هو أن يقصد بخلق الخلق الاضرار بهم، وذلك قبيح لا يجوز على الحكيم، والغرض الحسن لا يكون الا بحصول النفع فيه. وذلك النفع لا يخلو أن يكون راجعا إليه تعالى أو إلى غيره، فما يرجع إليه تعالى مستحيل لاستحالة النفع عليه، وما يرجع إلى الغير هو وجه ________________________________________ 1) في ر " وان لم يعلما له ". ________________________________________