[ 57 ] الذي هو أمر معقول معلوم، والكسب ليس بمعقول ولا معلوم. فان قيل: كيف لا يكون معقولا والانسان يفصل بين أن يمشي مختارا وبين أن يسحب على وجهه. قلنا: الفرق يرجع إلى ما قلناه من أن مشيه مختارا متعلق به وبايثاره، وإذا سحب على وجهه كانت الحركة فيه ضرورية فلذلك فرق بينهما. فان قيل: يتجدد عند دواعينا صفات من حسن وقبح وحلول في محل وكونه غرضا وغير ذلك، فلم قلتم ان الذي يتعلق بنا الحدوث دون شئ من ذلك؟ قلنا: أما الحسن والقبح فقد يخلو كثير من الافعال منهما، نحو كلام الساهي والنائم وحركة أعضائه التي لا يتعداه وحلوله في المحل ليس له به صفة، وانما يفيد أنه من قبيل ما لا يجب بقاؤه كبقاء المحل. ثم كثير من الافعال يخلو من محل كالجوهر والغناء وارادة القديم وكراهته ولا يخلو فعل من حدوث فينبغي أن يكون جهة الحاجة الامر الشائع في سائر الافعال وسائر القادرين. واستقصاء ما يورد على هذا الدليل وشعبه قد استوفيناه في شرح الجمل، وفيما ذكرناه كفاية انشاء الله. وانما قلنا: انما هو مقدور لنا لا يجوز أن يكون مقدورا له لان ذلك يؤدي إلى كونه موجودا معدوما، لانا لو فرضنا أن الواحد منا دعته الدواعي إلى ايجاده وجب حدوثه من جهته وإذا لم يرده الله تعالى يجب أن لا يوجد، مجتمع في فعل واحد وجوب حدوثه ووجوب انتفائه، وذلك محال فوجب بطلانه على كل حال. ومما يدل أيضا على أن الواحد منا محدث لافعاله، أنه يحسن مدحنا على بعض الافعال وذمنا على بعض، لان من فعل الطاعة يحسن مدحه ومن فعل ________________________________________