[ 24 ] لم يسبق المحدث ولم يخل منه علمنا أن حكمه حكمه في الحدوث. وقول من قال: ان فيها معان لا نهاية له 1) شيئا قبل شئ لا إلى أول. باطل لان وجود ما لا نهاية له محال، لانه كان يصير من شروط وجود كل واحد منها أن يتقدم قبله ما لا نهاية له، فلا يصح وجود شئ منها البتة، والمعلوم خلافه. على أن القائل بذلك قد ناقض، لانه إذا قال انها محدثة اقتضى أن لها أولا، فإذا قال بعد ذلك لا أول لها اقتضى ذلك قدمها، وذلك متناقض. وأيضا فإذا قال الجسم قديم أفاد ذلك وجوده في الازل، [ فإذا سلم أنه لا يخلو من معنى فقد أثبت فيه معنى في الازل ] 2)، والمعنى الموجود في الازل يكون قديما، فيكون في ذلك رجوع عن كونها محدثة. أو يقول فيما لم يزل لم يكن فيها معنى فيكون فيها رجوع في أن الجسم لم يخل من معنى، وذلك فاسد. فقد بان بهذه الجملة حدوث الاجسام، ثم تدل فيما بعد على ان لها صانعا يخالفها. وأما الطريقة الثانية فهو أن نبين أن ههنا معان كالالوان والطعوم والقدرة والحياة والشهوة والنفار وكمال العقل، ونبين أن أحدا من المخلوقين لا يقدر على شئ منها، فيعلم عند ذلك أن صانعها مخالف لها. وبيان ذلك: أن الواحد منا قد يدعوه الداعي إلى تبيض الاسود أو تسود الابيض أو يحيى ميتا أو يقدر عاجزا أو يكمل عقل من لا عقل له، وهو قادر متصرف غير ممنوع والدواعي متوفرة، ويبالغ في ذلك ويجتهد في تحصيله مع احتمال المحل لذلك فيتعذر ولا يتحصل لا لوجه معقول الا أنه ليس بمقدور له، فيعلم عند ذلك أن صانعها مخالف لها ومباين لنا، فيكون ذلك علما بالله ________________________________________ 1) كذا في النسختين ولعله " لا نهاية لها ". 2) الزيادة ليست في ر. ________________________________________