(34) وبعد: فلو كانت الرواية على ما أوردته لم يكن لك فيها حجة، لان الخبر إذا خالف ما دل عليه القرآن، وجب إطراحه والمصير ـ إلى القر‎آن دونه، ولو سلمنا لك باللفظ الذي تذكره بعينه، كان لنا أن نقول: إن النبي صلى الله عليه وآله مسح رجليه في وضوئه، ثم غسلهما بعد المسح لتنظيف، أو تبريد ونحو ذلك مما ليس هو داخلاً في الوضوء، فذكر الراوي الغسل ولم يذكر المسح الذي كان قبله، إما لانه لم يشعر به لعدم تأمله، أو لنسيان اعترضه، أو لظنه أن المسح لا حكم له، وأن الحكم للغسل الذي بعده، أو لغير ذلك من الاسباب، وليس هذا بمحال. فإن قال: فقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:" ويل للاعقاب من النار" (55) فلو كان ترك غسل العقب في الوضوء جائزاً، لما توعد على ترك غسله. قلنا: ليس في هذا الخبر ذكر مسح ولا غسل فيتعلق به، ولا فيه أيضاً ذكر وضوء فنورده لنحتج به، وليس فيه أكثر من قوله:" ويل للاعقاب من النار". فإن قال: قد روي أنه رآها تلوح فقال :" ويل للأعقاب من النار" (56). قيل له: وليس لك في هذا أيضاً حجة، ولا فيه ذكر لوضوء في طهارة. وبعد: فقد يجوز أن يكون رأى قوماً غسلوا أرجلهم في الوضوء عوضاً عن (57) مسحها، ورأى أعقابهم يلوح عليها الماء، فقال:" ويل للأعقاب من النار". ويجوز أيضاً أن يكون رأى قوماً اغتسلوا من جنابة، ولم يغمس الماء جميع أرجلهم، ولاحت أعقابهم بغير ماء، فقال :" ويل للأعقاب من النار ". ويمكن أيضاً أن يكون ذلك في الوضوء لقوم من طغام (58) العرب مخصوصين، ____________ (55) صحيح مسلم 1 : 214 / 241، صحيح البخاري 51:1، مسند أحمد 201:2 و471، سنن أبي داود 24:1|97، سنن النسائي 77:1، مسند الطيالسي:217|1552، تفسير الطبري 84:6. (56) صحيح مسلم 214:1|241، سنن النسائي 77:1، سنن ابن ماجة 154:1|450، تفسير الطبري 6 : 85. (57) في الاصل: من. (58) الطغام: أوغاد الناس." الصحاح ـ طغم ـ5 : 1975" وفي الاصل: طغامة، وكلاهما بمعنى.