@ 427 @ نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم ) ، فقال بعضهم : بعث إلى العرب خاصة ، وقال بعضهم : ليس بالنبي المبعوث لأن ذلك حقق في بني إسحاق . .
وعلى أنهم النصارى ، وهو قول محمد بن جعفر الزبير ، فالذي اختلفوا فيه : دينهم ، أو أمر عيسى ، أو دين الإسلام . ثلاثة أقوال . .
وقال الزمخشري : هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، واختلفوا أنهم تركوا الإسلام وهو التوحيد والعدل من بعد ما جاءهم العلم أنه الحق الذي لا محيد عنه ، فثلثت النصارى { وَقَالَتِ الْيَهُودُ * عَزِيزٌ * ابْنُ اللَّهِ } ، وقالوا : كنا أحق بأن تكون النبوة فينا من قريش لأنهم أمّيون ، ونحن أهل كتاب ، وهذا تجوير لله تعالى . إنتهى . .
ثم قال : وقيل : اختلافهم في نبوة محمد عليه السلام ، حيث آمن به بعض وكفر بعض ، وقيل : اختلافهم في الإيمان بالأنبياء فمنهم من آمن بموسى ، ومنهم من آمن بعيسى . إنتهى . .
والذي يظهر أن اللفظ عام في { الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ } وأن المختلف فيه هو : الإسلام ، لأنه تعالى قرر أن الدين هو الإسلام ، ثم قال : { وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ } أي : في الإسلام حتى تنكبوه إلى غيره من الأديان . .
{ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ } الذي هو سبب لاتباع الإسلام ، والاتفاق على اعتقاده ، والعمل به ، لكن عموا عن طريق العلم وسلوكه بالبغي الواقع بينهم من الحسد ، والاسئثار بالرياسة ، وذهاب كل منهم مذهباً يخالف الإسلام حتى يصير رأساً يتبع فيه ، فكانوا ممن ضل على علم . وقد تقدّم ما يشبه هذا من قوله { وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ } . .
{ بَغْياً بَيْنَهُمْ } وإعراب : بغياً ، فإنه أتى بعد إلاَّ شيآن ظاهرهما أنهما مستثنيان ، وتخريج ذلك : فأغنى عن إعادته هنا . .
{ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ } هذا عام في كل كافر بآيات الله ، فلا يخص بالمختلفين من أهل الكتاب ، وإن جاءت الجملة الشرطية بعد ذكرهم . .
وآياته ، هنا قيل : حججه ، وقيل : التوراة والإنجيل وما فيهما من وصف نبينا صلى الله عليه وسلم ) . وقيل : القرآن ، وقال الماتريدي : أي من المختلفين . .
وتقدّم تفسير : سريع الحساب ، فأغنى عن إعادته ، وهذه الجملة جواب الشرط والعائد منها على إسم الشرط محذود تقديره : سريع الحساب له . .
{ فَإنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِىَ للَّهِ } الضمير في : حاجوك ، ابلظاهر أنه يعود على { الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ } وقال أبو مسلم : يعود على جميع الناس ، لقوله بعد { وَقُلْ لّلَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ وَالاْمّيّينَ } وقيل : يعود على نصارى نجران ، قدموا المدينة للمحاجة . وظاهر المحاج فيه أنه دين الإسلام ، لأنه السابق . وجواب الشرط هو : { فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِىَ للَّهِ } والمعنى : انقدت وأطعت وخضعت لله وحده ، وعبر : بالوجه ، عن جميع ذاته ، لأن الوجه أشرف الأعضاء ، وإذا خضع الوجه فما سواه أخضع وقال الزوزي ، وسبقه الفراء إلى معناه : معنى أسلمت وجهي ، أي : ديني ، لأن الإيمان كالوجه بين الأعمال إذ هو الأصل ، وجاء في التفسير أقوال : أقول لكم ، كما قال ابن نعيم : وقد أجمعتم على أنه محق { قَالَ يَاءادَمُ * قَوْمٌ * إِنّى بَرِىء مّمَّا تُشْرِكُونَ * إِنّى وَجَّهْتُ وَجْهِىَ لِلَّذِى فَطَرَ * السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ * حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } . .
وقال الزمخشري : وأسلمت وجهي ، أي : أخلصت نفسي وعملي لله وحده ، لم أجعل له شريكاً بأن أعبده وأدعوا إلها معه ، يعني : أن ديني التوحيد ، وهو الدين القديم الذي ثبت عندكم صحته ، كما ثبت عندي . وما جئت بشيء بديع حتى تجادلوني فيه ، ونحوه { قُلْ ياأَهْلَ * أَهْلِ الْكِتَابِ * تَعَالَوْاْ إِلَى كَلِمَةٍ } الآية ، فهو دفع للمجادلة . إنتهى . .
وفي تفسيره أطلق الوجه على النفس والعمل معاً ، إلاَّ إن كان أراد تفسير المعنى لا تفسير اللفظ ، فيسوغ له ذلك . .
وقال الرازي : في كيفية إيراد هذا الكلام طريقان : .
الأول : أنه إعراض عن المحاجة ، إذ قد أظهر لهم الحجة على صدقة قبل نزول هذه الآية ، فإن هذه السورة مدنية ، وذلك بإظهار بالمعجزات بالقرآن وغيره ، وقد ذكر قبل هذه الآية الحجة بقوله : { الْحَىُّ الْقَيُّومُ } على فساد قول النصارى في إلهية عيسى ، وبقوله { نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ } على صحة نبوّته ، وذكر شُبَهَ القوم وأجاب عنها ، وذكر معجزات