@ 407 @ .
{ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ } رجع من التكلم إلى الغيبة ، ومعنى الأخذ بالذنب : العقاب عليه ، والباء في : بذنوبهم ، للسبب . .
{ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ } تقدّم تفسير مثل هذا ، وفيه إشارة إلى سطوة الله على من كفر بآياته وكذب بها . .
قيل : وتضمنت هذه الآيات من ضروب الفصاحة . .
حسن الإبهام ، وهو فيما افتتحت به ، لينبه الفكر إلى النظر فيما بعده من الكلام . .
ومجاز التشبيه في مواضع منها { نُزّلَتْ * عَلَيْكَ الْكِتَابَ } وحقيقة النزول طرح جرم من علوٍ إلى أسفل ، والقرآن مثمبت في اللوح الحفوظ ، فلما أثبت في القلب صار بمنزلة جرم ألقي من علو إلى أسفل فشبه به ، وأطلق عليه لفظ الإنزال وفي قوله : { لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } القرآن مصدّق لما تقدّمه من الكتب ، شبه بالإنسان الذي بين يديه شيء يناله شيئاً فشيئاً وفي قوله : { وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ * الإنجِيلِ * مِن قَبْلُ هُدًى * النَّاسِ * وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ } أقام المصدر فيه مقام اسم الفاعل ، فجعل التوراة كالرجل الذي يوري عنك أمراً ، أي : يستره لما فيها من المعاني الغامضة ، والإنجيل شبه لما فيه من اتساع الترغيب والترهيب والمواعظ والخضوع بالعين النجلاء ، وجعل ذلك هدى لما فيه من الإرشاد ، كالطريق الذي يهديك إلى المكان الذي ترومه ، وشبه الفرقان بالجرم الفارق بين جرمين ، وفي قوله : { عَذَابٍ شَدِيدٍ } شبه ما يحصل للنفس من ضيق العذاب وألمه بالمشدود الموثق المضيق عليه ، وفي قوله : { يُصَوّرُكُمْ } شبه أمره بقوله : كن أو تعلق إرادته بكونه جاء على غاية من الإحكام والصنع بمصوّر يمثل شيئاً ، فيضم جرماً إلى جرم ، ويصوّر منه صورة وفي قوله : { مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ } جعل ما اتضح من معاني كتابه ، وظهرت آثار الحكمة عليه محكماً ، وشبه المحكم لما فيه من أصول المعاني التي تتفرّع منها فروع متعدّدة ترجع إليها بالأم التي ترجع إليها ما تفرّع من نسلها ويؤمونها ، وشبه ما خفيت معانيه لاختلاف أنحائه كالفواتح ، والألفاظ المحتملة معاني شتى ، والأيات الدالة على أمر المعاد والحساب بالشيء المشتبه الملبس أمره الذي وجم العقل عن تكييفه ؛ وفي قوله : { فى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ } شبه القلب المائل عن القصد بالشيء الزائغ عن مكانه ، وفي قوله : { وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً } شبه المعقول من الرحمة عن إرادة الخير ، بالمحسوس من الإجرام من العوض والمعوض في الهبة وفي قوله : { وَقُودُ النَّارِ } شبهم بالحطب الذي لا ينتفع به إلاَّ في الوقود . وقال تعالى : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } والحصب الحطب بلغة الحبشة ، وفي قوله : { فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ } شبه إحاطة عذابه بهم بالمأخوذ باليد المتصرف فيه بحكم إرادة الأخذ . .
وقيل : هذه كلها استعارات ، ولا تشبيه فيها إلاَّ { كَدَأْبِ ءالِ فِرْعَوْنَ } فإنه صرح فيه بذكر أداة التشبيه . .
والاختصاص في مواضع ، منها في قوله : { نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ } إلى { وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ } على من فسره بالزبور ، واختص الأربعة دون بقية ما أنزل ، لأن أصحاب الكتب إذ ذاك : المؤمنون ، واليهود ، والنصارى ، وفي قوله : { لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ شَىْء فِي الاْرْضِ وَلاَ فِى السَّمَاء } خصمهما لأنهما أكبر مخلوقاته الظاهرة لنا ، ولأنهما محلان للعقلاء ، ولأن منهما أكثر المنافع المختصة بعباده . وفي قوله : { وَالرسِخُونَ } اختصهم بخصوصية الرسوخ في العلم بهم ؛ وفي قوله : { أُوْلُو الاْلْبَابِ } لأن العقلاء لهم خصوصية التمييز ، والنظر ، والاعتيار . وفي قوله : { لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا } اختص القلوب لأن بها صلاح الجسد وفساده ، وليس كذلك بقية الأعضاء ، ولأنها محل الإيمان ومحل العقل على قول من يقول ذلك ، وفي قوله : { إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ } وهو جامعهم في الدنيا على وجه الأرض أحياءً وفي بطنها أمواتاً ، لأن في ذلك اليوم الجمع الأكبر ، وهو الحشر ، ولا يكون إلاَّ في ذلك اليوم ، ولا جامع إلاَّ هو تعالى . وفي قوله : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِىَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلاَ أَوْلادُهُم } اختص الكفار لأن المؤمنين تغني عنهم أموالهم التي ينفقونها في وجوه البر ، فهم يجنون ثمرتها في الآخرة ، وتنفعهم أولادهم في الآخرة ، يسقونهم ويكونون لهم حجاباً من النار ، ويشفعون فيهم إذا ماتوا صغاراً ، وينفعونهم بالدعاء الصالح كباراً . وكل هذا ورد به الحديث الصحيح . .
وفي قوله : { كَدَأْبِ ءالِ فِرْعَوْنَ } خصهم بالذكر ، وقدمهم لأنهم أكثر الأمم طغياناً ، وأعظمهم تعنتاً على أنبيائهم ، فكانوا أشد الناس عذاباً . .
والحذف في مواضع ، في قوله : { لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } أي : من الكتب و { أَنَزلَ * التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ } أي : وأنزل الإنجيل ، لأن الإنزالين في زمانين { هُدًى لّلنَّاسِ } أي : الدين أراد هداهم : عذاب شديد ، أي يوم القيامة ، . { ذُو انتِقَامٍ } أي ممن أراد عقوبته { فِي الاْرْضِ وَلاَ فِى السَّمَاء } أي ولا في غيرهما { الْعَزِيزُ } أي : في ملكه . { الْحَكِيمُ } أي في صنعه { وَأَخَّرَ } أي : آيات أُخر { زَيْغٌ }