@ 304 @ على شط دجلة ، فطاف في القرية فلم ير فيها أحداً ، وعامة شجرها حامل ، فأكل من الفاكهة واعتصر من العنب فشرب منه ، وجعل فضل الفاكهة في سلة وفضل العنب في زق ، فلما رأى خراب القرية وهلاك أهلها قال : أنى يحيي ؟ على سبيل التعجب ، لا شكاً في البعث ، وقيل : كان شرابه لبناً . قيل : وجد التين والعنب كما تركه جنياً ، والشراب على حاله . .
وقرأ حمزة ، والكسائي بحذف الهاء في الوصل على أنها هاء السكت ، وقرأ باقي السبعة بإثبات الهاء في الوصل والوقف ، والأظهر أن تكون الهاء أصلية ، ويحتمل أن يكون ذلك من إجراء الوصل مجرى الوقف ، وقد تقدّم الكلام على هذه اللفظة في الكلام على المفردات ، وقرأ أبي : لم يسنه ، بادغام التاء في السين ، كما قرىء : لا يسمعون ، والأصل : لا يتسمعون ، وقرأ طلحة بن مصرف وغيره : لمائة سنة ، مكان : لم يتسنه . وقرأ عبد الله : وهذا شرابك لم يتسنه ، والضمير في : يتسنه مفرد ، فيحتمل أن يكون عائداً على الشراب خاصة ، ويكون قد حذف مثل هذه الجملة الحالية من الطعام لدلالة ما بعده عليه ، ويحتمل أن يكون الطعام والشراب أفرد ضميرهما لكونهما متلازمين ، فعوملا معاملة المفرد ، أو لكونهما في معنى الغذاء ، فكأنه قيل : وانظر إلى غذائك لم يتسنه وقال الشاعر في المتلازمين : % ( وكأن في العينين حب قرنفل % .
أو سنبلاً كحلت به فانهلّت .
) % .
والجملة من قوله : لم يتسنه ، في موضع الحال ، وهي منفية : بلم ، وزعم بعض أصحابنا أن إثبات الواو في الجملة المنفية بلم هو المختار ، كما قال الشاعر : % ( بأيدي رجال لم يشيموا سيوفهم % .
ولم تكثر القتلى بها حين سُلَّت .
وزعم بعضهم أنه إذا كان منفياً فالأولى أن ينفي : بلما ، نحو : جاء زيد ولما يضحك ، قال : وقد تكون منفية : بلم وما ، نحو : قام زيد ولم يضحك ، أو : ما يضحك ، وذلك قليل جداً . انتهى كلامه . وليس إثبات : الواو ، مع : لم ، أحسن من عدمها ، بل يجوز إثباتها وحذفها فصيحاً ، وقد جاء ذلك في القرآن في مواضع ، قال تعالى : { فَانْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوء } وقال تعالى : { أَوْ قَالَ أُوْحِى إِلَىَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَىْء } ومن قال : إن النفي بلم قليل جدّاً فغير مصيب ، وقد أمعنا الكلام على هذه المسألة في باب : الحال ، في ( منهج السالك على شرح ألفية ابن مالك ) من تأليفنا . .
.
) % .
{ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ } قيل : لما مضت المائة أحيا الله منه عينيه وسائرُ جسده ميت ، ثم أحيا جسده وهو ينظر . ثم نظر إلى حماره ، فإذا عظامه متفرقة بيض تلوح ، فسمع صوتاً من السماء : أيتها العظام البالية إن الله يأمرك أن تجتمعي ، فاجتمع بعضها على بعض ، واتصلت ، ثم نودي : إن الله يأمرك أن تكتسي لحماً وجلداً ، فكان كذلك . وروي أنه حين أحياه الله نهق ، وقيل : ردّ الله الحياة في عينيه وأخر جسده ميتاً ، فنظر إلى إيلياء وما حولها وهي تعمر وتجدّد ، ثم نظر إلى طعامه وشرابه لم يتغير ، نظر إلى حماره واقفاً كهيئته يوم ربطه لم يطعم ولم يشرب أحياه الله له وهو يرى ، ونظر إلى الجبل وهو لم يتغير وقد أتى عليه ريح مائة عام ومطرها وشمسها وبردها . وقال وهب ، والضحاك : وإنظر إلى حمارك قائماً في مربطه لم يصبه شيء مائة سنة . .
قال الزمخشري : وذلك من أعظم الآيات أن يعيشه مائة عام من غير علف ولا ماء ، كما حفظ طعامه وشرابه من التغير .